أخبار دولية

اللبنانيون يحيون ذكرى كارثة المرفأ والعدالة معطّلة

بيروت – أ ف ب

جدّد أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت، خلال إحيائهم الجمعة الذكرى السنوية الثالثة، لوقوع الكارثة، تمسّكهم ببلوغ العدالة «حتى النَّفَس الأخير»، في وقت تُعطّل تدخلات سياسية وقضائية مسار التحقيق.

ووقعت الكارثة في الرابع من أغسطس/ آب 2020، عند الساعة السادسة وسبع دقائق، عندما دوى انفجار ضخم في بيروت، حصد أكثر من 220 قتيلاً، وأصاب أكثر من 6500 شخص، وأحدث دماراً واسعاً في المرفأ، وأحياء بالعاصمة.

وسار المئات من اللبنانيين يتقدّمهم أهالي الضحايا عصر الجمعة من أمام مقرّ فوج الإطفاء في الكرنتينا، باتجاه المرفأ تحت شعار «العدالة رغماً عنهم، من أجل العدالة والمحاسبة.. مستمرون».

وفي لحظة الانفجار، وقف المشاركون دقيقة صمت، على وقع صفارات البواخر الراسية في المرفأ. وتلا متحدّث باسم الأهالي أسماء الضحايا تباعاً على وقع التصفيق والدموع. وقال بول نجار، والد الطفلة ألكسندرا التي قتلت في الانفجار، وتُعد أصغر ضحاياه، في كلمة ألقاها: «قلوبنا حزينة لأنه مرّت ثلاث سنوات، ولم نعلن الحداد، ولأن الحقيقة ما زالت تُرفض».

وأضاف: «قتلونا في منزلنا في ذاك النهار، وما زالوا يقتلوننا في كل يوم، ويراهنون على أن نفقد الأمل ونستسلم»، مؤكداً في الوقت ذاته «نحن الشعب الذي لم يمت، وسيبقى يطالب بالعدالة حتى النَّفَس الأخير».

وحمل المشاركون الذين اتشح بعضهم بالسواد صور أحبائهم ورايات سوداء. كما رفعوا علماً لبنانياً ملطخاً بالأحمر. وحمل آخرون علماً عملاقاً كتب عليه قسم بالنضال حتى تحقيق العدالة. وتقدّمت المسيرة آلية لفوج الإطفاء، عليها صور لعناصر الفوج العشرة الذين سارعوا لإخماد حريق في المرفأ سَبَقَ وقوع الانفجار.

وردّد المشاركون هتافات عدة بينها: «لن ننسى، لن ننسى، دم الشهداء لن ننسى». وقالت تانيا ضو التي قتل زوجها الطبيب في الانفجار خلال مشاركتها في المسيرة: «إصرارنا على المطالبة بالحقيقة يأتي من وجعنا».

ومنذ اليوم الأول، عزت السلطات الانفجار إلى تخزين كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم داخل المرفأ من دون إجراءات وقاية إثر اندلاع حريق لم تُعرف أسبابه. وتبيّن لاحقاً أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر تخزين المادة، ولم يحركوا ساكناً.

– «قيد المتابعة»

إثر الانفجار، عيّنت السلطات القاضي فادي صوان محققاً عدلياً، لكن سرعان ما تمت تنحيته العام 2021، إثر ادعائه على رئيس الحكومة حينها حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين بتهمة «الإهمال والتقصير والتسبّب بوفاة» وجرح مئات الأشخاص.

واصطدم خلفه القاضي طارق بيطار بالعراقيل ذاتها مع إعلان عزمه على استجواب دياب، تزامناً مع إطلاقه مسار الادّعاء على عدد من الوزراء السابقين، بينهم نواب، وعلى مسؤولين أمنيين وعسكريين.

وامتنع البرلمان السابق عن رفع الحصانة عن النواب المذكورين، ورفضت وزارة الداخلية منحه إذناً لاستجواب قادة أمنيين ورفضت قوى الأمن كذلك تنفيذ مذكرات توقيف أصدرها.

وغرق التحقيق بعدها في متاهات السياسة، ثم في فوضى قضائية، بعدما حاصرت بيطار عشرات الدعاوى لكف يده، تقدم بأغلبيتها مسؤولون مُدّعى عليهم. وخلال عامين ونصف العام، تمكّن بيطار من العمل رسمياً لقرابة ستة أشهر فقط، تعرّض خلالها لضغوط أنذرت بأزمة غير مسبوقة في الجسم القضائي، خاصة بعدما أحبط مدعي عام التمييز غسان عويدات محاولته استئناف التحقيقات مطلع العام الحالي.

وكان بيطار استأنف تحقيقاته هذا العام 2023، بعد 13 شهراً من تعليقها، وقرّر الادّعاء على ثمانية أشخاص جدد بينهم عويدات، وحدّد مواعيد لاستجواب 13 شخصاً مدعى عليهم. لكن عويدات تصدى له بالادعاء عليه بـ«التمرد على القضاء واغتصاب السلطة»، وأصدر منع سفر في حقه، وأطلق سراح الموقوفين. إزاء ذلك، تراجع بيطار عن المضي بقراراته.

وقال مصدر قانوني، إن ملف التحقيق «قيد المتابعة» من بيطار، رغم الدعاوى التي تلاحقه.

وأوضح أنه رغم غيابه عن أروقة قصر العدل، يُصر بيطار على استكمال مهمته حتى إصدار قراره الظني، كما وعد عائلات الضحايا التي تعقد آمالها عليه من أجل بلوغ العدالة.

وفي كلمة ألقتها أمام المشاركين، قالت المحامية سيسيل روكز، التي فقدت شقيقها في الانفجار: «التحقيق معرقل بفعل السلطة السياسية، وبعض القضاة الذين يواكبونهم».

«فوهة بركان»

واصطدمت مطالبة أهالي الضحايا الذين تظاهروا مراراً، بتحقيق دولي، برفض رسمي في لبنان. وقال جاد مطر (42 عاماً) على هامش مشاركته في التحرّك: «يحقّ لي كمواطن لبناني أن أعرف لماذا قتل مواطنون لبنانيون في الانفجار من دون سبب».

وأضاف بانفعال: «يجب أن يتوقف هذا النظام الممنهج الذي يجعل اللبنانيين عرضة للقتل في أي لحظة كما لو أننا نعيش على فوهة بركان».

وفي باريس، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي زار لبنان مرتين بعد الانفجار: «لبنان لم يكن وحيداً، ولن يكون أبداً»، مخاطباً اللبنانيات واللبنانيين «بإمكانكم الاعتماد على فرنسا، على تضامننا، وعلى صداقتنا». واعتبر متحدث باسم الخارجية الأمريكية في، أن «عدم إحراز تقدم نحو المساءلة غير مقبول، ويؤكد الحاجة إلى إصلاح قضائي، واحترام أكبر لسيادة القانون في لبنان».

وجدّدت منظمات، بينها «هيومن رايتش ووتش» والعفو الدولية، وعائلات ضحايا الخميس، مطالبتها الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بدعم إنشاء بعثة دولية مستقلة ومحايدة لتقصي الحقائق.

وقالت نائبة المديرة الإقليمية في منظمة العفو الدولية آية مجذوب: «استخدمت السلطات كل السبل التي في متناولها لتقويض التحقيق المحلي، وعرقلته لحماية نفسها من المسؤولية».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى