أخبار دولية

إذا أردت أن ترى نظاما آيلا للانهيار فانظر إلى نظام الكابرانات

الحالة السياسية والتنظيمية والأمنية التي وصل إليها نظام الكابرانات تتجمع فيها كل مؤشرات وعلامات النظام الآيل للانهيار. هي ثلاث علامات أساسية يتوافق عليها الباحثون في ميدان دراسة الأنظمة السياسية، كلها أضحت اليوم متوفرة في نظام الكابرانات. هذه العلامات الثلاث هي: أفول المرجعية والفشل الأمني والعسكري والصراعات الداخلية. والمتأمل في هذه العناصر سيجدها قد تجلت وظهرت بوضوح ولا داعي لانتظار المزيد منها مثلما ينتظر الناس علامات الساعة. وما يحدث هذه الأيام من مشاهد كوميدية أو درامية أبطالها من القيادات السياسية والعسكرية لهذا النظام ليس سوى مظاهر تطفو على سطح الأزمة العميقة التي يتخبط فيها.

لنأخذ العلامة الأولى: أفول المرجعية التي نقصد بها موت الأطروحة السياسية والإيديولوجية التي كان هذا النظام يبرر بها قراراته وتوجهاته، بل ويؤكد من خلالها شرعيته ووجوده منذ استقلال الجزائر عن فرنسا سنة 1962. لقد اعتاد هذا النظام على إسناد كل توجهاته بمرجعية جبهة التحرير الوطني بما تمتلكه من شرعية البندقية والمقاومة، واقتات قادة هذا الحزب والرؤساء المتعاقبون على حكم البلاد والقيادة العسكرية على خطاب الثورة لعقود طويلة إلى أن بلغ مداه واستنفد أسباب قوته واستمراره. وبعد أن رأى الجزائريون والعالم معهم كيف جلس رئيس البلاد ذليلا أمام الرئيس الروسي ليطلب منه الحماية، ومن ثمة الخضوع لاستعمار جديد، لم يعد للسرديات التاريخية الطويلة التي صدع بها هؤلاء رؤوس الجزائريين أي جدوى. لقد ماتت مرجعية الدولة الجزائرية منذ زمن ولم تعد تمتلك أي خطاب مقنع أو غير مقنع تواجه به المواطن الجزائري. وأفول المرجعية يمثل طعنة قاتلة في شرعية أي نظام.

وتقودنا هذه العلامة الأولى إلى العلامة الثانية المرتبطة بها إلى حد بعيد. فسعي الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى الارتماء مجددا في أحضان الاستعمار والتضحية باستقلال بلاده ولو تطلب الأمر فتح موانئ ومطارات الجزائر أمام الجيش الروسي يمثل اعترافا رسميا بحالة الفشل الأمني والعسكري التي يعيشها هذا النظام. قبل أيام قليلة فقط تعرض الجيش الجزائري لضربة قاصمة بعد مقتل عدد من عناصره في هجوم نفذه مقاتلون ينتمون إلى جماعات الطوارق في جنوب البلاد. وما تزال قوات الجيش الجزائري إلى اليوم عاجزة عن تطهير المناطق الجبلية من بقايا التنظيمات الإرهابية. لكن مظهر الفشل الحقيقي لا يتعلق بالأحداث الدامية التي تحدث هنا وهناك بقدر ما هو مرتبط بحالة التخلف التي يعيشها الجيش الشعبي الجزائري العاجز تماما عن توفير احتياجاته ومستلزماته من العتاد والعدة والذخيرة إلى درجة لم يعد فيها قادرا على تحمل الفجوة التقنية والقتالية الهائلة التي أضحت بينه وبين القوات المسلحة الملكية.

لو لم يدخل نظام الكابرانات مرحلة الفشل الأمني والعسكري فعليا لما أحرج تبون نفسه أمام كاميرات العالم وهو يتوسل للرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أجل السماح بتزويد الجيش الجزائري بالسلاح الروسي. فعلى الرغم من استبعاد ملف التعاون العسكري من أجندة اللقاء أصر تبون على رفع طلبه لبوتين لعله يحظى منه بنظرة عطف تسليحية. لكن السؤال الأهم هو الذي يقودنا إلى العلامة الثالثة: الصراع الداخلي. لنفترض أن تبون حصل على ما يريده من أسلحة من موسكو، فضد من ستوجه في النهاية ولماذا يستقوي بها الجيش الشعبي الجزائري؟ قد يقول قائل إنه يتسلح للحفاظ على التوازن في مواجهة المغرب. هذا صحيح، لكنه ليس تمثيلا للصورة الكاملة. فالجيش الجزائري كان دائما يتسلح ضد شعبه ومن أجل إرعاب باقي الفاعلين والقوى السياسية والمدنية في البلاد.

والدليل على ذلك هو اعتراف تبون مؤخرا في حوار في التلفزيون الجزائري أن هذا الجيش هو نفسه الذي قدم “طريحة” على حد قوله للمطالبين بمدنية الدولة والحرية والديمقراطية خلال التسعينيات. “الطريحة” أو الغزوة الوحيدة التي يتقنها الجيش الشعبي الجزائري هي التي يوجهها ضد مكونات الشعب الجزائري، سواء من أهل القبائل المطالبين بالإنصاف والاعتراف، أو من باقي التيارات السياسية والقبلية الأخرى. وهذا مظهر بسيط من مظاهر العلامة الثالثة الدالة على الانهيار: الصراع الداخلي. وهل تعتقدون أن هذا الصراع يجري فقط على المستوى الماكرووطني؟ لا، إنه دائر داخل الدوائر الخاصة والضيقة بين أصحاب المصالح واللوبيات وذوي السلطة. ولعل الفضيحة التي كشفت مؤخرا عن تورط الرئاسة الجزائرية في إصدار أوامر بالتنصت على اللواء الأسير السابق السعيد شنقريحة، تعكس بجلاء أبعاد هذا الصراع الداخلي الطاحن الذي يجري في الآونة الأخيرة.

ومن بين مظاهره الصارخة التي شهدتها الساحة السياسية مؤخرا في الجزائر، فضيحة إقالة وزير الاتصال محمد بوسليماني على خلفية نشر خبر عن طرد سفير دولة الإمارات العربية المتحدة، قبل تدارك الوضع ونفي الخبر من أساسه. من الذي أوعز إلى نشر خبر بهذه الدرجة من الخطورة إلا طرف من أطراف هذا الصراع الداخلي الذي نتحدث عنه؟ لذلك يجوز لنا أن ننبه إلى إن ما يحدث في الوقت الراهن داخل النظام الجزائري لا يبشر بالخير، بل يحمل نذرا عن تفكك وشيك لهذا النظام الذي استنفد على ما يبدو مقومات استمراره وعلى رأسها قوة الكذب على الجمهور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى