كيف عاد تبون من البرتغال بخفّي حنين؟

يبدو أن زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى البرتغال كانت فضيحة بكل المقاييس. فضيحة على مستوى الاستقبال المهين الذي حظي به الرجل وهو يقف في مطار لشبونة وحيدا أمام علم البلدين يحيي الفرقة العسكرية التي استقبلته دون حضور الرئيس البرتغالي. وكانت فضيحة لأنها انتهت دون أن تفضي إلى اتفاقات معتبرة بين البلدين في مختلف مجالات التعاون المفترضة بينهما. وكانت أيضا فضيحة لأن الرسالة التي كان يريد تبون أن يسمعها أو التصريح الذي كان يريد أن يصطاده من المسؤولين البرتغاليين حول السيادة المغربية على الصحراء لم يحصل عليه.
لقد عاد تبون فعلا بخفّي حنين من هذه الزيارة، بل ربما عاد بخف واحد لا أقل ولا أكثر. عاد تبون حافيا لأنه لم يسأل نفسه قبل السفر إلى البرتغال ما الذي يمكن أن تقدمه الجزائر لهذا البلد وما الذي يمكنها أن تأخذه منه؟ باستثناء صادرات الغاز والنفط، فإن الحكومة البرتغالية تدرك أن الحكومة الجزائرية ليس لديها الشيء الكثير لتقدمه، وأن مجالات التعاون في الاستثمار الصناعي والسياحي والطاقي على سبيل المثال تظل محدودة وغير واعدة بين البلدين. لقد حاول تبون خلال عرض أمام منتدى رجال الأعمال الجزائري البرتغالي أن يقدم إغراءات للمستثمرين البرتغاليين لكنه وجد نفسه يردد كلاما متجاوزا وقديما عن فرص الاستثمار التي يعلم هو نفسه قبل أي شخص آخر أنها مجرد كلام فارغ.
مناخ الأعمال في الجزائر الذي حاول الرجل تحسينه لفظيا فقط أمام رجال الأعمال البرتغاليين لا يمكنه أن يستقطب حتى مستثمرا صغيرا لفتح محل من محلات البيتزا أو الهامبورغر، فما بالك بمستثمرين كبار يبحثون عن فرص في مجالات الصناعة والاتصالات والقطاع البنكي والطاقة وغيرها. الجزائر التي صنفت في تقرير 2020 للبنك العالمي مثلا في المرتبة 157 عالميا في مجال تحسّن مناخ الأعمال لا يمكنها أن تغري المقاولين والمستثمرين بالكلام المعسول والشعارات الفارغة التي اعتاد تبون والكابرانات إطلاقها في الخرجات الإعلامية بالجزائر، فتحسين مناخ الأعمال يحتاج إلى بنية اقتصادية حديثة وقطاع بنكي قوي ومرونة هائلة على مستوى تنقل رؤوس الأموال وإدارة شفافة وسريعة الأداء.
وهذه الخصائص كلها تغيب تماما عن منظومة الأعمال في الجزائر، التي ما يزال الترخيص فيها باستيراد السيارات حدثا اقتصاديا كبيرا يهتم به القاصي والداني، والصغير والكبير في هذا البلد. كيف يمكن أن يضمن المستثمرون البرتغاليون نقل أرباحهم على سبيل المثال في بلد يعد قطاعه البنكي من أكثر الأنظمة تخلفا على صعيد القارة الإفريقية؟ لقد كان أولى بتبون أن يعقد اجتماع مناخ الأعمال مع المستثمرين الجزائريين أولا في الجزائر، ويجعل منه لقاء مصارحة ليعرف حقا ما يحتاجه هذا المجال في البلاد من إصلاحات وإجراءات وتدابير عاجلة قبل فتح المجال أمام الأجانب ورأس المال الخارجي.
لقد انتهت زيارة تبون للبرتغال وانعقد المنتدى الاقتصادي المشترك وعاد تبون بعبارة ركيكة جاهزة: ترددها وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية وهي: “تطابق وجهات النظر بين البلدين”. مضغ الرئيس الجزائري لغة الخشب وابتلعها وعاد دون أن يوقع مع الطرف البرتغالي ولو مذكرة تفاهم واحدة، ناهيك عن توقيع اتفاقات للتعاون والمشاريع والبرامج المحددة. وكم كان البرتغاليون فعلا قمة في المجاملة والدبلوماسية وهم يستقبلون الرجل ويأخذونه على “قدر عقله” في انتظار نهاية الزيارة الموجزة. ولعلّ السبب الرئيسي في هذا الفشل كما نذكر دائما هو غياب المصلحة الجزائرية عن أجندة العلاقات الخارجية للبلاد وتصور الكابرانات لها، لأنهم منشغلون دائما بهم واحد هو توظيف علاقاتهم ضد المغرب وضد وحدته الترابية وسيادته. لكن العودة من لشبونة بخفي حنين، تؤكد أن تبون لم يربح لا مصلحة بلاده ولا أساء لمصلحة المغرب.