أخبار دولية

هل يصبح اتحاد المغرب العربي الملجأ الوحيد لاستقرار دول المنطقة؟

لم تمر دول المنطقة التي ننتمي إليها بظرفية تجعل الحاجة ماسة إلى إحياء اتحاد المغرب العربي أكثر من المرحلة الحالية. كل التطورات التي يشهدها الإقليم والعالم تدفع بضرورة الدفاع عن هذا التكتّل وراهنيته بل وضرورته في وقت بدأت فيه ملامح مرحلة إمبريالية جديدة تلوح في الأفق. عندما يبلغ الأمر إلى درجة لجوء رئيس دولة مثل الجزائر إلى رئيس دولة مثل روسيا ويطلب علانية وصراحة الدعم والحماية، فهذا مؤشر على إرهاصات مرحلة إمبريالية جديدة. عندما يصبح اقتصاد دولة مثل تونس واستقرارها مرهونا بالحصول على قرض من إحدى المؤسسات البنكية وتعيش ضغوطا مزعزعة في محاولتها للبحث عن بدائل، فهذه أيضا إرهاصات مرحلة إمبريالية جديدة.

عندما تفقد دولة مثل ليبيا قدرتها تماما على لملمة الجراح وإعادة بناء النظام السياسي وتوحيد الصف الداخلي، وتوفير مقومات الاستقرار كوحدة الجيش والمؤسسات، بينما تتعرض لغزو لا يتوقف من طرف قوى دولية، فهذه أيضا علامة على مرحلة إمبريالية غير مسبوقة. ما الحل إذاً في مواجهة هذه الهشاشة التي تعانيها جلّ دول المغرب العربي وتضع استقرارها على المحك؟ هل الحل هو الارتماء في أحضان القوى الدولية مثلما سعى الرئيس الجزائري إلى فعله خلال لقائه بالرئيس الروسي، أم الحل هو البحث عن مقومات القوة المحلية والمستقلة من أجل التصدي للأطماع الخارجية؟

لغة العقل والمنطق تؤكد أن الحل يكمن في الخيار الثاني. لماذا ستبحث الجزائر عن حماية روسيا والمغرب إلى جانبها؟ لماذا ستبحث تونس عن رهن مستقبلها من أجل قرض بنكي وفوائض البترودولار الجزائري يمكن أن تحل المشكلة بأقل الشروط والرهون؟ ثم لماذا ستنتظر ليبيا من دول بعيدة تأمين استقرارها بينما يمكن لاتحاد المغرب العربي أن يُفعّل آلية الدفاع المشترك بين البلدان الخمسة؟ الإطار الذي وضعه اتفاق زرالدة المؤسس لاتحاد المغرب العربي تضمن كل الآليات والهيئات والمؤسسات الكفيلة في بتفعيل كل أشكال التعاون سواء العسكري أو الاقتصادي أو الأمني لصالح الدول الأعضاء الخمسة، والسير قدما نحو بناء تكتل يضاهي، إن لم نقل يتفوق، على تجربة تكتلات مشابهة كالاتحاد الأوربي.

فمقومات التكامل كلها متوفرة. المقوم الديمغرافي الذي يرتكز على قوة عاملة ونشيطة من فئة الشباب متوفرة وبكثافة في دول المغرب والجزائر، كما أن هذه القوة أصبحت اليوم مؤهلة بشكل غير مسبوق على مستوى التكوين العلمي والمعرفي، والدليل على ذلك أن دول المنطقة أضحت من بين أكثر دول العالم تصديرا للعقول والكفاءات التي تستقر في أوربا وأمريكا الشمالية. المقوم الجغرافي أيضا يمكن أن يحول اتحاد المغرب العربي إلى تكتل اقتصادي واعد، بالنظر إلى المساحة المترامية الأطراف التي تحتلها الدول الأعضاء وامتدادها الساحلي الهائل. وزيادة على ذلك فإن المقوم الاقتصادي لا يقل أهمية عن بقية المقومات. تمتلك بعض دول المغرب العربي وعلى رأسها الجزائر وفرة طاقية هائلة يمكن أن تسد احتياجات كل دول المنطقة وتفوقها، بينما تمتلك دول أخرى كالمغرب كل ما يمكن أن تحتاجه شعوب المنطقة على مستوى الموارد الفلاحية والسمكية وغيرها.

لذا يبدو أن استعاضة بعض دول المغرب العربي عن هذا الاتحاد بالاستقواء بدول وقوى خارجية ودولية بدلا من العودة إلى حضن اتحاد المغرب العربي والبحث عن سبل إحيائه وإنجاحه، يمثل في الحقيقة ضيقا في أفق الرؤية ومحدودية في بعد النظر. خاصة أن المجال ما يزال مفتوحا تماما أمام عودة المياه إلى مجاريها وتفعيل هذا الاتحاد على الرغم من كل آلام وجروح وأخطاء الماضي القريب والبعيد. في مثل هذه التجارب تتحول الأحقاد والمظالم بسرعة إلى مصدر تجاوز وصفح، وانفتاح على المستقبل، مثلما حدث مع ألمانيا وفرنسا، اللتين أسستا بعد حرب عالمية ثانية طاحنة، واحتلال متبادل ومظالم لا حصر لها، أكبر تكتل اقتصادي وتجاري في العالم، تحوّل مع مرور الوقت إلى حصن حصين للدفاع عن مصالحهما ورعايتها. والمغرب والجزائر، هما ألمانيا وفرنسا المغرب العربي، وقادران بفضل الإرادة السياسية والشعبية أن يؤسسا لتجربة أكثر قوة وفعالية واستمراراً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى