أرقام مقلقة وخطة صيفية طارئة.. نارسا تواجه شبح حوادث السير
أرقام مقلقة وخطة صيفية طارئة.. نارسا تواجه شبح حوادث السير

الرباط – احمد البوحساني
في ظل التصاعد المقلق لحوادث السير بالمغرب خلال عام 2024 وبداية 2025، أعلنت الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية (NARSA)، اليوم الإثنين 7 يوليوز 2025، عن إطلاق خطة صيفية استثنائية تهدف إلى كبح هذا المنحى الخطير، خاصة خلال أشهر الصيف التي تُسجَّل فيها سنويًا أعلى معدلات الحوادث.
جاء ذلك خلال ندوة صحفية عقدها المدير العام للوكالة، بناصر بولعجول، قدّم خلالها عرضًا شاملاً حول حصيلة حوادث السير، والإجراءات الاستعجالية المرتقبة، مؤكدًا أن الأرقام المسجلة تشكّل “ناقوس خطر حقيقي” يتطلب تعبئة جماعية وصرامة أكبر في التطبيق والمراقبة.
أرقام مقلقة تؤكد تفاقم الوضع :
كشفت المؤشرات النهائية لسنة 2024 عن ارتفاع لافت في جميع فئات حوادث السير مقارنة بسنة 2023، حيث بلغ عدد الإصابات الخفيفة 192,406 حالة (+14.77%)، بينما ارتفعت الإصابات الخطيرة إلى 14,718 حالة (+25.95%)، أما عدد الوفيات فبلغ 4,024 وفاة، متجاوزًا عتبة 4000 لأول مرة، بزيادة قدرها 5.37%.
ولم تكن بداية سنة 2025 أكثر تفاؤلاً، إذ سجّلت الأشهر الخمسة الأولى 1,624 حالة وفاة، بزيادة 20.9% مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، فيما ارتفعت الإصابات الخطيرة بنسبة 21.3% والخفيفة بنسبة 13.8%، ما يدل على تفاقم الوضع واستمراره.
الدراجات النارية والراجلون أبرز الضحايا:
ركز بولعجول في عرضه على الفئات الأكثر هشاشة، وفي مقدّمتها مستعملو الدراجات النارية ثنائية وثلاثية العجلات، الذين أصبحوا يمثلون أكثر من 43% من مجموع قتلى حوادث السير سنة 2024. وقد ارتفع عدد الوفيات داخل هذه الفئة بنسبة 63.04% خلال العقد الأخير (2015 – 2024).
ويرتبط هذا الارتفاع، وفق بولعجول، بعدة عوامل من أبرزها: ضعف استخدام الخوذات، وعدم مطابقتها للمعايير، وخرق قانون السير، خصوصًا السرعة وتجاوز الإشارات الضوئية. وأفاد بأن 78% من مخالفات الضوء الأحمر التي رُصدت عبر الرادارات الثابتة تعود لسائقي هذه الدراجات.
أما فئة الراجلين، فلا تزال تسجّل سنويًا أكثر من 1,000 حالة وفاة، منها حوالي 600 داخل المجال الحضري، ما يبرز الحاجة العاجلة إلى تكثيف التوعية، وإعادة الاعتبار لممرات الراجلين، وضمان احترام السائقين لقواعد الأسبقية والسرعة.
خطة صيفية طارئة لموسم 2025 :
أمام هذا الواقع المقلق، أعلنت “نارسا” عن برنامج عمل خاص بالفترة الصيفية، يمتد من يوليوز إلى شتنبر 2025، يهدف إلى تعزيز السلامة الطرقية، من خلال حزمة من الإجراءات الرقابية والتوعوية تشمل:
1. مراقبة مشددة على الطرق
تكثيف مراقبة السرعة باستعمال رادارات ثابتة ومحمولة.
تتبع سلوكيات القيادة الخطيرة خاصة في المدن وعلى المحاور الطرقية الخطيرة.
مراقبة النقل العمومي، مع التركيز على الالتزام بزمن السياقة والراحة.
2. تعزيز الاستجابة لحوادث السير
تعبئة فرق الوقاية المدنية ووزارة الصحة لتأمين تدخلات سريعة وفعالة.
توجيه وحدات الإسعاف للمناطق ذات الخطورة العالية.
3. حملات تواصل وتحسيس واسعة
إطلاق حملات تحسيسية عبر الملصقات، البرامج الإذاعية، والإعلانات السمعية البصرية.
تنظيم “قرى السلامة الطرقية” بـ 8 مدن كبرى (الدار البيضاء، طنجة، فاس، مراكش، أكادير، وجدة، الرباط، والعيون) لنشر ثقافة السلامة، خاصة لدى الأطفال.
إصلاحات هيكلية وتشريعات جديدة :
إلى جانب الإجراءات الميدانية، أعلنت “نارسا” عن سلسلة من التدابير الهيكلية من بينها:
تشديد المراقبة على الخوذات والدراجات النارية وسوق توزيعها.
اعتماد كاميرات ذكية في الطرق الحضرية والسيارة لضبط المخالفات.
ربط تسوية الغرامات بالخدمات الإدارية مثل تحويل ملكية المركبات وأداء الضرائب.
إحداث لجنة يقظة وطنية ونظام تتبع دوري لتقييم نتائج الخطة الصيفية وتعديلها حسب الحاجة.
مواكبة قضائية من النيابة العامة، التي ستصدر دوريات لدعم التنفيذ الصارم للقانون.
السلامة الطرقية مسؤولية جماعية :
في ختام عرضه، وصف المدير العام للوكالة الوطنية للسلامة الطرقية مجال السلامة الطرقية بـ”المجال العنيد”، الذي يصعب تحقيق نتائج فيه دون تظافر الجهود. وأكد أن نجاح الخطة يتوقف على انخراط الجميع: الدولة، المهنيون، المجتمع المدني، وسائل الإعلام، والسائقون أنفسهم.
وأضاف أن الانتشار المتسارع للدراجات النارية، خاصة في قطاع خدمات التوصيل السريع، بات يشكّل تحديًا معقدًا، يستدعي وضع إطار قانوني منظم، يوازن بين الحاجة الاقتصادية للوسيلة وسلامة مستخدميها.
تعكس الخطة الصيفية الجديدة لنارسا تحوّلاً نوعيًا في التعامل مع أزمة حوادث السير في المغرب، من خلال الجمع بين التدخلات العاجلة والتعديلات التشريعية والتوعوية. غير أن الأرقام الصادمة تؤكد أن الطريق نحو طرق أكثر أمانًا يمر عبر وعي جماعي ومسؤولية مشتركة، تضمن سلامة الجميع، خاصة الفئات الهشة.