أخبار الدار بلوس

المغرب حليف إستراتيجي دولي لصياغة توازنات جديدة في إفريقيا والعالم

المغرب حليف إستراتيجي دولي لصياغة توازنات جديدة في إفريقيا والعالم

ليست برقية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى جلالة الملك محمد السادس، بمناسبة عيد العرش المجيد، مجرد رسالة تهنئة دبلوماسية معتادة، بل هي وثيقة سياسية محملة بدلالات إستراتيجية عميقة، تجدد التأكيد على المكانة المحورية التي يحتلها المغرب في العقل الإستراتيجي الأمريكي، وتكرس تحولا نوعيا في نظر واشنطن لدور المملكة في صناعة الإستقرار الإقليمي والدولي.

الولايات المتحدة، وهي تجدد الإعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وتصف مقترح الحكم الذاتي بالمبادرة الجادة والواقعية وذات المصداقية، لا تكتفي بتثبيت موقفها الثابت من النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، بل تعلن عن قناعة إستراتيجية مفادها أن أي حل مستقبلي لهذا الملف ينبغي أن ينبني على أسس واقعية تراعي منطق الدولة وشرعية التاريخ، لا على أوهام الإنفصال و مناورات الكيانات الهشة.
إن تأكيد واشنطن على دعم السيادة المغربية لا يمكن قراءته بمعزل عن أبعاد أعمق تتعلق بإعادة تشكيل خارطة النفوذ والتحالفات في شمال إفريقيا و الساحل، حيث أضحى المغرب بمثابة ركيزة صلبة وموثوقة في مواجهة تمدد الجماعات الإرهابية و تفاقم أزمات الهجرة والحريمة المنظمة ، وتصاعد النزعات الإنفصالية، وهو ما يجعل المملكة شريكا لا غنى عنه في رؤية واشنطن لأمن القارة الإفريقية ولأمن المتوسط عموما.

الولايات المتحدة، وهي تشيد بالشراكة “القوية والدائمة” مع المغرب، تنظر إلى المملكة الشريفة باعتبارها نموذجا في الإستقرار السياسي، وفاعلا عقلانيا في محيط إقليمي متقلب. ومرد هذا التقدير يعود إلى حكمة القيادة المغربية، وإلى متانة المؤسسات، وقدرة المملكة على صياغة توازنات دقيقة بين المحافظة على السيادة الوطنية، والإنخراط الفاعل في قضايا السلم والأمن الدوليين.
فالشراكة المغربية الأمريكية اليوم تتجاوز منطق التحالفات الظرفية، لتجسد إرادة قوية في بناء فضاء أوروإفريقي جديد، تعطى فيه الأفضلية للدول القادرة على الجمع بين الأمن والتنمية، بين الإستقرار والإصلاح ، بين إحترام الثوابت والإنفتاح الواعي.
المغرب و في هذا السياق، ليس مجرد بوابة نحو إفريقيا جنوب الصحراء، بل هو فاعل رئيسي في إنتاج الحلول ومواجهة التحديات، كما يتجلى في أدواره في محاربة الإرهاب، وفي دعم عمليات السلام، وفي تعزيز التعاون جنوب جنوب وفق رؤية ملكية حكيمة و متبصرة.

وإذا كان صناع القرار الأمريكي يراهنون اليوم على المغرب، كحليف إستراتيجي في قضايا الأمن الإقليمي ومكافحة التطرف والإرهاب، فإن هذا الرهان يزداد رسوخا بفعل الإنخراط المتزايد للمملكة في الديناميات الإقتصادية الكبرى، وإستثمارها في مشاريع تنموية عابرة للحدود، وتوجهها المستدام نحو بناء نموذج تنموي قائم على العدالة الإجتماعية والمجالية، وهو ما يعزز موقعها كقوة صاعدة في جنوب المتوسط.
إن قراءة الخطاب الأمريكي في ضوء تحولات السياق الدولي تبرز بما لا يدع مجالا للشك أن المغرب اليوم لم يعد مجرد تابع في جغرافيا النفوذ الغربي، بل أضحى شريكا مساهما في إعادة تشكيل مفاهيم السيادة والتنمية والتحالفات الإستراتيجية، في عالم مشحون بالتحولات والتقلبات الجيوسياسية.

ختاما، إن الإعتراف الأمريكي المتجدد بالوحدة الترابية للمغرب، والدعم الواضح لمقترح الحكم الذاتي، ليسا سوى تعبير عن إقتناع بأن المملكة المغربية تمثل ضامنا موثوقا للإستقرار غرب المتوسط، وصمام أمان لقارة تبحث عن توازناتها الجديدة، وشريكا إستراتيجيا في فترة تاريخية حاسمة تكاثرت فيها هشاشة الدول والأنظمة وتعاظمت فيه مختلف التحديات الجيوسياسية.

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
خبير في نزاع الصحراء المغربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى