الأسد الإفريقي.. سنوات من الخبرة المتراكمة للجيش المغربي

بالأمس كان ميناء مدينة أكادير على موعد مميز مع تمرين موجز حول مكافحة أسلحة الدمار الشامل، لتقييم تفاعلية وحدة الإنقاذ والإغاثة التابعة للقوات المسلحة الملكية في مواجهة مواجهة هجوم بطائرتين مسيرتين انتحاريتين، يمثل وضعية أزمة تتعلق بمخاطر كيميائية. هذا السيناريو كان مشهدا واحدا فقط من مشاهد مناورات الأسد الإفريقي 2023 التي تتواصل فعالياتها إلى غاية 16 يونيو الجاري. هذا الحدث العسكري العالمي الذي شهد هذا العام تطورا كبيرا من الناحية الكيفية والعددية يعلن عن مرحلة جديدة من مراحل التعاون المغربي الأمريكي من جهة، وتطور قدرات القوات المسلحة الملكية من جهة أخرى.
فقبل يومين شاركت طائرات تابعة للقوات المسلحة الملكية وللقوات المسلحة الأمريكية بقاعدة ابن جرير العسكرية، في مناورات للإنزال الجوي، في إطار المناورات نفسها، بهدف تعزيز قابلية التشغيل البيني لمظليين من البلدين، والنهوض بعملهما المشترك. ويشتمل برنامج مناورات الأسد الإفريقي على العديد من التمارين المشتركة التي تؤهل القوات المسلحة الملكية في مختلف مجالات التدخل الدفاعية والهجومية والإسعافية، ويتيح لها الاطلاع على آخر الخبرات الدولية التي راكمتها جيوش احترافية كبرى من طينة الجيش الأمريكي. ومن الواضح أن العدد الكبير للجيوش المشاركة في هذه المناورات والذي وصل إلى 18 بلدا يؤكد أن هذه المناورات أضحت واحدا من أكبر المواعيد العسكرية التدريبية الأكبر في العالم.
وهذه المناورات التي شملت هذه السنة جهات عديدة من أكادير إلى طانطان ومن المحبس إلى تزنيت مرورا بالقنيطرة وبنجرير وتفنيت، تتطور عاما بعد عام نحو ضم المزيد من المشاركين، واستقطاب أشكال مختلفة من الأسلحة والفيالق العسكرية في مختلف التخصصات الحربية. وهو تطور يؤكد المكانة السياسية الدولية التي أضحى المغرب يحتلها، خاصة بعلاقة مع حلفائه التقليديين وحتى الجدد. ويؤكد ذلك أيضا المكانة القوية التي أضحت القوات المسلحة الملكية تحتلها على الصعيد القاري والإقليمي باعتبارها إحدى المؤسسات العسكرية الأكثر تأهيلا وتطورا على صعيد القارة السمراء، خاصة على مستوى اكتساب الخبرات وتطوير القدرات القتالية والجاهزية لمواجهة الكوارث وحالات الطوارئ. وهذه الخبرة يدل عليها بالأساس الثقة الكبيرة التي تضعها جيوش عالمية محترفة في قواتنا المسلحة الملكية من أجل خوض تمارين مشتركة.
فمن غير الممكن أن ينسق الجيش الأمريكي الذي يعد أقوى وأكثر جيوش العالم احترافية، مع قوات مسلحة من أجل تداريب أو تمرينات مشتركة دون أن تكون لهذا الجيش القدرة على المواكبة والتفاعل والمشاركة بخبراته وقدراته ومؤهلاته الخاصة. وإذا استحضرنا أن هذه المناورات وصلت اليوم إلى عيد ميلادها الـ 19 ندرك أننا نتحدث عن تقليد عسكري ترك آثارا طيبة على جاهزية الجيش المغربي وقدراته، على نحو يجعل منه سدا منيعا أمام كل من تسول له نفسه انتهاك الحدود الترابية للمملكة أو الاعتداء على سيادتها. ولعلّ التمكن الكبير الذي طورته القوات المسلحة الملكية على مستوى سلاح الطائرات المسيرة يدل على البون الشاسع الذي أضحى واقعا قائما بين القوات المسلحة الملكية وبعض الجيوش التي ما تزال تراهن على عقائد قتالية متجاوزة.
وتؤكد هذه المناورات التي تحقق نجاحا باهرا هذه السنة أن القوات المسلحة الملكية تتجه بثبات نحو تعزيز أدوارها الحاسمة في إرساء قواعد الأمن والسلام، وتوفير شروط الرخاء والتنمية في المنطقة المغاربية وفي غرب إفريقيا. وإذا كان هذا الفعل السلمي جزء من جوهر عقيدة هذا الجيش المغربي الممكّن فإنه بالمقابل قادر على التدخل في أي وقت من أجل تأمين الوحدة الترابية والدفاع عن حوزة الوطن في مواجهة الميليشيات الانفصالية المدعومة من الجزائر. ولعلّ عمليات “التبندير” التي شهدتها السنوات القليلة الماضية على حدود الجدار العازل تؤكد بالملموس أن اليد التي تسعف وتخفف الآلام هي نفسها القادرة على الردع والزجر.