جيل زيد.. كيف أعاد الحياة للنقاش العمومي؟
جيل زيد.. كيف أعاد الحياة للنقاش العمومي؟

بقلم: ياسين المصلوحي
بعد مرور شهرٍ على احتجاجات جيل زيد، التي انطلقت في 27 و28 شتنبر الماضي، من خلال الدعوة لتنظيم وقفات ومسيرات احتجاجية للشباب للمطالبة بإصلاح التعليم والصحة ومحاربة الفساد، والتي سرعان ما تحولت إلى أعمال عنفٍ وتخريبٍ من طرف بعض المحسوبين على الشباب محاولين استغلال حالة الفوضى للقيام بأعمال تخريبٍ وسرقة، عادت الأوضاع إلى السكينة والهدوء بعدها بفضل مجموعةٍ من الإجراءات والقرارات التي تم اتخاذها.
وبالرجوع إلى تحليل تطور الأحداث، يُلاحظ أن ميزة السرعة كانت حاضرةً في كل أطوارها، من خلال الدعوة للاحتجاج، والاستجابة له، وتفاعل القوات الأمنية، ونشوب أعمال العنف والتخريب، وصولاً إلى تجاوب المؤسسات الرسمية، من الأغلبية إلى الحكومة فالمؤسسة الملكية. نجد أن كل هذه الأحداث وقعت في أربعة أسابيع فقط، في الوقت الذي كانت تحتاج فيه مثل هذه التطورات إلى فتراتٍ زمنيةٍ طويلة نسبياً في الماضي.
من جهةٍ أخرى، يرى بعض المتتبعين أن الدينامية التي خلقها شباب جيل زيد عبر تطبيق ديسكورد، وانتقال جزءٍ من التفاعل الافتراضي إلى تفاعلٍ حقيقي في الشارع، ساهمت بشكلٍ كبير في إعادة الحياة للنقاش العمومي وتحريك المياه الآسنة في المشهد الإعلامي والسياسي، حيث فتحت القنوات العمومية بلاطوهاتها للشباب ولممثلي الأحزاب السياسية بمختلف مواقعها وأيديولوجياتها. بل قامت بانتشال النقاش السياسي الذي انغمس في السبّ والشتم وتبادل التهم نهاية كل أسبوع في التجمعات الخطابية بين أحزاب الأغلبية والمعارضة، في حملاتٍ انتخابيةٍ سابقةٍ لأوانها، ونقلته إلى مناقشة قضايا جوهرية وذات أهمية.
كما أبانت هذه الاحتجاجات عن المؤسسات الحية التي لا تزال تحظى بمكانتها لدى الشعب، وعلى رأسها المؤسسة الملكية، التي تشكل ثابتاً جامعاً ونقطة إجماعٍ واجتماعٍ للجميع. فقد قامت بحماية المؤسسات الديمقراطية والدستورية الأخرى في تبادلٍ مثيرٍ للأدوار، إذ في الوقت الذي يُفترض فيه أن تقوم هذه المؤسسات بحماية النظام الملكي ووقايته من الصدمات، وجدنا أن رئيس الدولة هو الذي دعا إلى احترام المؤسسات التي تعكس إرادة الشعب في إطارٍ ديمقراطي، مؤكداً أن من أراد التغيير فلا بد له من القيام بذلك داخل هذه المؤسسات، وفي إطار الخيار الديمقراطي.
وقد برز خلال هذه الفترة مجموعة من تجّار البؤس ومصرفي المآسي الذين استغلوا هذا الحراك الشبابي البريء، الحامل لمطالب اجتماعيةٍ واقتصاديةٍ مشروعة، أبشع استغلال. ولم يفوّتوا الفرصة لمحاولة تصفية حساباتهم الخاصة مع الدولة ومؤسساتها، وردّ الاعتبار ولو على حساب مصلحة الوطن، بل ومحاولة الانتقام عبر نشر الفتنة والتحريض وقلب الحقائق، ودسّ السمّ في عسل الحريات العامة وحقوق الإنسان. وذلك من خلال تأويل خطاب جلالة الملك في افتتاح الدورة التشريعية، وتوجيهاته للخطوط العريضة لمشروع قانون المالية، تأويلاً مجانباً للصواب، واعتباره إشاحة عن انتظارات المجتمع. بل يخاطبون الدولة بلسان الشباب، كأنهم ناطقون رسميون باسمهم، في مشهدٍ يصبّ الزيت على النار.
ومن بعض العيوب التي يُؤاخذ عليها شباب جيل زيد، بقاؤهم في دائرة غرفة الصدى، خصوصاً على مستوى التأطير والنقاش، الأمر الذي لوحظ من خلال الضيوف الذين تمت المناداة عليهم، حيث احتفظوا بنفس الخط التحريري والتوجه الفكري، ولم يحاولوا تنويع مرجعيات المدعوين ليتمكنوا من رسم صورةٍ أقرب إلى الواقع عبر تجميع رؤى ومعالجات من زوايا نظرٍ متعددة. بل سقطوا في أحادية زاوية المعالجة والتحليل، وهو ما يؤثر على تكوين رأيٍ موضوعيٍ ومحايد.
إن الحراكات الشعبية نتاجٌ طبيعيٌّ لأي مجتمعٍ حيٍّ متفاعلٍ وديناميكي، وتجاوبُ المؤسسات الرسمية معه يشكل وجهاً يعكس الوضع الحقيقي للحرية والديمقراطية. وهو ما أبانت عنه المؤسسات المغربية من خلال تأطير واحتواء هذه الاحتجاجات، وكذلك التفاعل الإيجابي لكل شرائح المجتمع، بما فيها المحتجون، مع الخطوات والإجراءات التي أقدمت عليها الدولة المغربية، مما يعبر عن أن الأمة المغربية أمةٌ نابضةٌ بالحياة، تتفاعل سلباً وإيجاباً مع متغيرات المجتمع، وتطمح دوماً إلى الأفضل.




