وأخيرا يعترف الكابرانات ببداية تاريخ الجزائر مع الاستعمار الفرنسي

أخيرا تعترف السلطات الجزائرية وبشكل رسمي أن تاريخ البلاد يبدأ مع بدايات الاحتلال الفرنسي ومحاولاته غزو المنطقة. هذا ما توضح رسميا من إطلاق وزارة المجاهدين وذوي الحقوق، اليوم الأحد بالعاصمة، تطبيق “تاريخ الجزائر 1830-1962” على الهواتف المحمولة، وذلك تزامناً مع اختتام ذكرى ستينية استقلال الجزائر، وإحياءً للذكرى الـ 61 لعيد الاستقلال الذي اختارت له شعار “جزائر الانتصارات، مكاسب وإنجازات”. لا تهمنا هنا الشعارات الرنانة ولا العبارات الطنانة، لأنها في النهاية مجرد كلام مجاني لا قيمة له ولا اعتبار، ما دام كاتبه لا يدفع فلسا من جيبه. الأهم في هذا الإعلان هو أنه يمثل اعترافا رسميا من طرف الكابرانات أن تاريخ الجزائر بدأ مع الاستعمار الفرنسي.
للأسف يمثل حصر تاريخ الجزائر الوطني ما بين 1830-1962 تنكرا للتاريخ العثماني لإيالة الجزائر التي ظلت خاضعة لحكم إسطنبول منذ 1529 حتى بداية غزو الجزائر من طرف أسطول شارل العاشر في 5 يوليوز 1830 واحتلال الإيالة وإعلان بداية الوجود الفرنسي الذي سيستمر أكثر من 130 سنة. وتفتخر وزارة المجاهدين وذوي الحقوق بإطلاق هذا التطبيق الذي يسمح حسب بلاغ رسمي “بالاطلاع على مراحل التاريخ الوطني ومعطياته من 1830 إلى 1962 من خلال الهاتف الذكي بمنهجية وأسلوب راقٍ ومبسّط لتبليغ رسالة المجاهدين إلى كل الشباب الجزائري وذلك عبر اعتماد أساليب تتأقلم مع متطلبات شباب اليوم، لتكون هذه المنصة الرقمية واجهة للجزائر من خلال محتوى تاريخي ذي دلالات رمزية تعكس التاريخ المجيد للجزائر وحضارتها وذلك تحت اشراف أساتذة باحثين وأكاديميين مختصين”.
ولنتوقف كثيرا عند مصطلح “التاريخ الوطني” كي نعيد التأكيد على ما كنا دائما نؤكده من أن الجزائر بلد بلا تاريخ، ومستوطنة جغرافية للقوى الإقليمية والعالمية التي تعاقبت على حمل مشعل الفتوحات أو الحملات أو الإمبريالية والاستعمار. ونعتقد أن الكابرانات امتلكوا شجاعة منقطعة النظير وهم يحسمون هذا الجدل ويبدؤون تاريخ الإيالة من 1830، في اعتراف رسمي بأن الجزائر ليست سوى صنيعة فرنسية لا أقل ولا أكثر، والدليل على ذلك أن ما قبل هذه اللحظة الزمنية لا تعترف به وزارة المجاهدين نفسها، وتكتفي بالتواصل مع الأجيال الشابة والصاعدة بناء على التاريخ الحديث الذي يجب أن يخضع بدوره إلى بعض التصحيح. فربما تقصد وزارة المجاهدين بالتاريخ الوطني هنا المخاص الذي سبق لحظة إعلان استقلال الجزائر وتشكلها كدولة ابتداء من 1962.
وما يؤكد هذا الشعور الكامن في اللاوعي الجزائري بأن الدولة الجزائرية مجرد إحداث فرنسي لاحق هي أن وزارة المجاهدين أعلنت أن الهدف من هذا التطبيق هو “الاسهام في نقل قيم ثورة 1 نوفمبر 1954 المجيدة عبر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للوصول إليها في عالم الرقمنة من خلال مشروع المنصة الرقمية “جزائر المجد” التي تمّ إطلاقها خلال يوليوز 2022 وتطبيق الهاتف المحمول لتاريخ الجزائر 1830-1962 الذي يعتبر حاوية للذاكرة الوطنية ومرجعية تاريخية وعلمية وأكاديمية”. أين هو إذاً التاريخ الوسيط لدولة الجزائر المزعومة؟ أين هو دور الدولة الجزائرية مثلا في مواجهة الحملات الصليبية القادمة من البرتغال وإسبانيا وفرنسا؟
ثم أين هي الدولة الجزائرية التي استقبلت الفتوحات الإسلامية أو خاضت معارك في مواجهتها أو نشرتها إلى باقي بقاع الغرب الإسلامي؟ نحن لا نتساءل هنا عن التاريخ القديم وعمّا قبل التاريخ، بل نسأل فقط عمّا وثقه المؤرخون بعد ميلاد المسيح، بل بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وانطلاق التقويم الهجري. ليس عيبا أن تعترف دولة محدثة أنها كذلك، أي أنها لا تمتلك جذورا تاريخية عميقة ولا وجودا عريقا بما يعنيه من حضارة وإرث وتراث منقول عبر الأجيال. فالولايات المتحدة الأمريكية التي تعد أقوى دولة في العالم، لا تنكر أن تاريخها يبدأ مع استقلالها عن الاستعمار البريطاني، وإنما العيب في مواصلة مناطحة الكبار ومحاولة الارتقاء إلى مدارج الدول التي تجرّ وراءها إرثا عريقا من الاستقلالية والتنظيم والحضارة مثلما هو الحال بالنسبة إلى المملكة المغربية الشريفة.