أخبار الدار بلوسحوادت

حرائق الغابات : مسؤولية جماعية لحماية الثروة الغابوية

حرائق الغابات : مسؤولية جماعية لحماية الثروة الغابوية

مع حلول فصل الصيف من كل سنة، يرتفع خطر حرائق الغابات، ومعه ترتفع حالة اليقظة التي تتخذها كل الهيئات والمؤسسات المتداخلة، سواء في التوعية والتحسيس، أو الوقاية والتدخل للحد منها والسيطرة عليها.

وقد أعاد الحريق الذي شب هذا الأسبوع في الغطاء الغابوي لإقليم شفشاون، والذي امتد ليصل إلى أراضٍ خاصة ويهدد المنازل السكنية وحظائر الماشية وحقول الأشجار المثمرة، والذي لم تتم السيطرة عليه إلا بمشقة وبمجهودات جبارة متواصلة لفرق الإطفاء المتنوعة برًّا وجوًّا، أعاد النقاش مرة أخرى إلى الواجهة، خصوصًا مع تبنّي بعض الجمعيات الحقوقية والمنظمات المدنية لهذا الحدث، ومحاولة ترتيب المسؤوليات ودق ناقوس الخطر حول هذه الظاهرة.

ويرى بعض المتتبعين أن مجهودات الدولة عرفت تطورًا ملحوظًا في العشرية الأخيرة، خصوصًا من طرف الجهاز الوصي على الفضاء الغابوي (الوكالة الوطنية للمياه والغابات)، حيث خُصِّصت ميزانية مهمة لتعزيز دوريات المراقبة للرصد والإنذار المبكر، وتوفير الآليات والموارد البشرية اللازمة، وفتح وصيانة المسالك الغابوية لتسهيل الولوجية في حال نشوب حريق لا قدر الله، وتهيئة نقط الماء وصيانة أبراج المراقبة لرصد الحرائق، وتهيئة وتنقية المصدات الوقائية ، وتوسيع الحراجة الغابوية مع تجديد أسطول سيارات التدخل الأولي باقتناء معدات جديدة. كما تم تنظيم تكوينات وأيام دراسية بتنسيق مع دول رائدة في مجال مكافحة الحرائق مثل الولايات المتحدة الأمريكية، واعتماد نظام رقمي لتحديد المناطق المهددة بنشوب الحرائق عبر خرائط تفاعلية يتم تحيينها بشكل منتظم حسب درجات الحرارة، وقوة الرياح، وكثافة الغطاء الغابوي، وغيرها من العناصر التي تساعد على توقع المناطق المحتمل نشوب حريق فيها من أجل الاستعداد والبقاء على يقظة مرتفعة.

إلا أنه، ورغم كل المجهودات المبذولة إلى جانب باقي المتدخلين من الوقاية المدنية والسلطة المحلية والدرك الملكي والقوات المسلحة الملكية، يرى البعض الآخر أن مجهودات الدولة تبقى محدودة في مواجهة الحرائق، بل وتتهم الجهات الوصية بإهمال المناطق المنكوبة، خصوصًا بعد إخماد الحرائق وتهميش السكان المجاورين لهذه الفضاءات، وعدم تعويض المتضررين. وهو ما فتح المجال أمام المطالبة بتخصيص تعويضات مادية للمواطنين المتضررين من الحرائق، لكن الإشكال يبقى قانونيًا من حيث تحديد نسبة الضرر والجهة التي يجب عليها صرف التعويض… إلا أن هذا الفراغ التشريعي في هذا الجانب يمكن أن يتم تجاوزه عبر سنّ قانون يؤطر العملية ويحدد المسؤوليات، خصوصًا إذا كان بشكل تضامني بين الدولة والقطاع الخاص والفاعلين المدنيين.

وتجدر الإشارة إلى أن خطر حرائق الغابات ليس مرتبطًا مباشرة بتوفر الإمكانيات اللوجيستيكية فقط، حيث غالبًا ما نلاحظ أن الحرائق الكبيرة والخطيرة التي يعرفها العالم تكون في مصاف الدول المتقدمة، كما وقع في أمريكا وأستراليا وإسبانيا والبرتغال، والتي لا يمكن السيطرة عليها بالبساطة والسهولة التي يتم الترويج لها.

من جهة أخرى، فإن الغابات التي تكون قد تعرضت للحرائق تكون لها أولوية في إعادة التخليف أو التشجير أو التهيئة، ويتم برمجتها وفق المساطر الإدارية والمالية التي تمكن من ذلك، حمايةً للنظم الغابوية وحرصًا على إعادة إحياء وتشكيل الفضاء الغابوي المتضرر في أسرع وقت ممكن.

وفي ظل الخطر الكبير الذي تشكله حرائق الغابات على المنظومة الغابوية ككل، والملكيات الخاصة للأفراد، والبنيات التحتية المجاورة لها، وعلى اعتبارها التهديد الأول للثروة الغابوية خصوصًا مع التغيرات المناخية العالمية التي لا يسلم منها المغرب، فإن مجهودات المؤسسات الرسمية وحدها، وإن كثرت، تبقى غير كافية لدفع هذا الخطر. حيث يمكن لتصرف طائش وغير مسؤول لفرد واحد أن يحوّل الغابة إلى رماد في لمح البصر، ويضرب كل المجهودات عرض الحائط. فبناء الإنسان وتوعيته وتحسيسه بخطر الحرائق وأهمية الغابات، يساوي في قيمته، بل ويتجاوز، كل ما هو ذو صفة مادية.

ياسين المصلوحي

كاتب مقالات رأي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى