أخبار الدار بلوس

افتتاحية الدار: بين 2023 و2024.. من خراب الزلزال إلى عمار المونديال

الدار/ افتتاحية

بين 2023 و2024 يحتفظ المغاربة شعبا وحكومة وملكا بالكثير من الذكريات والآمال، بالعديد من محطات الفخر والكثير من توقعات النجاح والتقدم. عام مضى أثبت فيه المغاربة أنهم قادرون على تحقيق المعجزات وقهر كل الصعوبات بعد أن اجتازوا محنة غير مسبوقة في زلزال الحوز. من قلب هذا الحدث الذي فاجأ الملايين وأثار الرعب والخوف، خرجت قصص الأصالة المغربية والانتماء الوطني والتضامن الإنساني الجارف الذي قدم صورا مبهرة للعالم. الصورة التي قدمها المنتخب الوطني في كأس العالم 2022 بقطر عادت من جديد بألق وبعدٍ أعمق وأرهف عندما هبّ المغاربة صغارا وكبارا لمعانقة جبال الأطلس وكفكفة دموع أحزانها.

صورة التضامن الهائل الذي عبّر عنه أبناء وبنات المغرب تناقلتها وسائل الإعلام العالمية وكرّست صورة من صور الاستقرار والإلهام الذي تمثّله هذه البلاد القادرة على الرغم من رائحة الفقد وآلام الموت أن تتجاوز أزمتها بهدوء وطمأنينة وتُحوّل المحنة إلى منحة. بسرعة قياسية أُسعف الجرحى وانتُشل الموتى وعادت حياة البناء والتعمير تدبّ من جديد في أنقاض البيوت المهدمة وتحوّلت قرى الأطلس إلى ورش مفتوح بعد أن آوت أبناءها وبناتها مبادرات الدولة والجمعيات المحلية والقوات المسلحة الملكية وجمعيات المجتمع المدني. زلزال الحوز كان كارثة بكل المقاييس لكنه كان أيضا فرصة لإعادة اكتشاف هذا الوطن والإيمان بوطنية أبنائه وتماسك دولته.

لم تمض سوى أشهر قليلة على هذه المحنة حتّى أثبت المغرب للعالم أنه قادر على تجاوز أزماته بمفرده وانطلاقا من قدراته الذاتية، وحظي وسط دهشة الكثيرين بثقة أكبر المؤسسات والهيئات العالمية لاحتضان تظاهرة ستكون هي الأعظم في تاريخ كرة القدم. إنه التنظيم المشترك مع إسبانيا والبرتغال، لكأس العالم 2030. ورش مفتوح ستشكل سنة 2024 اختبارا حقيقيا لمدى تطوره والتقدم في إنجاز التزاماته وبنياته الضرورية. من خراب الزلزال إلى عمار المونديال هذا هو العنوان الذي يريد المغرب والمغاربة أن يذكره العالم عنهم. وسط أوراش اجتماعية واقتصادية هائلة بدأت بإطلاق دينامية تعميم الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية وتدشين أولى عمليات الدعم المالي المباشر المقدم للفقراء، يخرج أيضا هذا المشروع الهائل الذي يُظهر أن بلادنا قادرة على خوض معارك في ساحات عدّة بما تمتلكه من قدرات الإدارة وسلطة الإرادة.

التحدّيات التي تواجه بلادنا خلال سنة 2024 هائلة بعضها ينتمي إلى صعوبات بنيوية ناجمة عن التغيرات المناخية، وعلى رأسها معضلة الجفاف والإجهاد المائي، وبعضهما ينتمي إلى نطاق الصعوبات الظرفية الاقتصادية الناجمة عن استمرار أزمة التضخم العالمية. ومع ذلك فإن الأمل في إدارة هذه التحديات بالمزيد من الذكاء والنجاح قائم ويفرض نفسه بقوة. والثقة التي يحملها المغاربة في المستقبل وفي قدرة الدولة المغربية العريقة على تحويل هذه التحديات إلى موارد عمل واستثمار وتنمية كبيرة وموثوقة. ومن ثمّ فإن العام المقبل لن يكون محطة عابرة كسنوات خلت، بل سيكون عاما مَفصليا يسجّله التاريخ بالنظر إلى ما سيُتّخذ خلاله من قرارات وما سيُنجز في ثناياه من مشاريع وتحوّلات.

وسط هذه اللائحة الطويلة من التحدّيات يوجد أمل كبير مصدره الأساسي هو الرؤية الملكية المستبصرة والاستقرار السياسي الذي يُعدّ الثروة الأولى لهذا الوطن. وبناء على ذلك فإن الشعور بالأمان الذي أحسّ بها المغاربة جميعاً ليلة الزلزال المدمّر بسبب روح التضامن الشعبية والتضافر التلقائي بين جهود الدولة والتزام المواطنين يمثّل عربون هذه الطاقة الهائلة التي يمتلكها هذا الوطن. ليس هناك شعب في الدنيا يمكنه أن يفخر بذلك أكثر من الشعب المغربي، الذي سيثبت للعالم خلال السنوات القليلة المقبلة أن بلادنا دخلت فعلاً مرحلة من التحوّل التاريخي الذي سيقودها لا محالة إلى مصاف الدول الصاعدة بما تحقّقه من تقدم في المجالات الاقتصادية والصناعية والسياحية والثقافية، وبهذه الصورة المبهرة عن مجتمع يعتز بأصالته وعراقة قيمه وينفتح في الوقت نفسه على مقتضيات الحداثة والتقدم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى