الإعلام الفرنسي.. مزاعم الاستقلالية وحقيقة التوظيف

الدار/ تحليل
من الواضح أن الجمهورية الفرنسية مصرّة في الوقت الراهن على كشف كل أوراقها وفضح كل ألاعيبها التي اعتادت العمل بها منذ عقود طويلة بطرق ملتوية من أجل انتزاع مصالح أو الضغط على الشركاء أو حتى الأعداء. الحرب القذرة التي يخوضها الإعلام الفرنسي والصحافة الفرنسية هذه الأيام ضد المغرب من خلال نشر تقارير وملفات وتحقيقات واستعادة ربورتاجات قديمة وإعادة تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد أن ريما لم تتخلص من عادتها القديمة. العدد الأخير لمجلة “ماريان” على سبيل المثال كان غاية في القذارة والكراهية وهو يخرج بعنوان مثير عمّا اعتبره نقاط القوة التي يتحكم من خلالها المغرب في فرنسا.
اتهامات رخصية عن الجاسوسية والمخدرات والإرهاب وغيرها من القضايا التي يحرص اليمين الفرنسي على توظيفها باستمرار من أجل أهداف انتخابية. مصادرات بالجملة وأحكام جاهزة وخطاب عنصري واستعماري يتعالى على بلد يريد أن يتحرّر من منطق الاستغلال الذي تصر فرنسا عليه تجاه مستعمراتها السابقة في إفريقيا. من المؤسف جدا أن تصل الأمور بالفرنسيين الذين كانوا دائما بالنسبة للمغاربة أصدقاء وحلفاء يمكن الاعتماد عليهم إلى هذا المستوى من الاندحار الذي يفضح أسطورة استقلالية الإعلام الفرنسي والصحافة في عاصمة الأنوار. هذا التوجيه المكثّف المفضوح للمقالات والتقارير الإعلامية ضد المغرب هو الذي يؤكد أن هذا الإعلام يقع دون استثناء تحت جناح المخابرات الفرنسية.
مزاعم الاستقلالية التي لطالما روّج لها الفرنسيون تسقط أمام حقيقة التوظيف السياسي الذي تتعرض له الصحافة الفرنسية ومختلف وسائل الإعلام من أجل ممارسة ضغوطات أكل عليها الدهر وشرب ضد المغرب. لكن الذي لا يدركه الفرنسيون على ما يبدو أننا نعيش في العقد الثالث من الألفية الثالثة. لقد مضى ذلك العهد الذي كان فيه مقال في صحيفة فرنسية قادرا على زعزعة استقرار دولة أو نظام سياسي في إفريقيا أو العالم العربي. لقد ولّت أجواء السبعينيات والثمانينيات، وكشف الانفتاح الذي أفرزته العولمة والعالم الرقمي نفاق العديد من الأنظمة الديمقراطية التي تستغل قيمها ومبادئها السامية فقط من أجل تحقيق مكاسب والدفاع عن مصالح ضيقة لا أقل ولا أكثر.
ومن الغريب أن تواصل الأجهزة الفرنسية العمل بمنطق الابتزاز المتجاوز وهي تدرك وترى ألّا شيء يبقى مستورا في عالم اليوم. إذا كانت صحافة المخابرات الفرنسية قادرة على استغلال ادعاءات ومزاعم وتوجيهها ضد بلدنا فإننا هنا أيضا قادرون على فضح الممارسات الاستعمارية الفرنسية التي لطالما تعاملت بها باريس مع مختلف الدول الإفريقية. على فرنسا أن تستعد لتقديم الحساب الأخلاقي الشامل عن كل الفضائح والجرائم المرتكبة في دول غرب إفريقيا، حيث استغلال الثروات التي بنت عليها فرنسا غناها وقوتها بأرخص الأثمان مع التهديد الدائم لاستقرار هذه الدول وحرياتها ورغبتها في التحرر والانعتاق.
بيت فرنسا الزجاجي لن يتحمّل أبدا قذف بيوت الآخرين بالحجارة. وبلد صاعد ومستقل مثل المغرب ليس لديه ما يخجل منه، كل ما هنالك هو عمل دؤوب من أجل التحرر والانعتاق والتقدم والتعاون المشترك مع الأشقاء والأصدقاء في القارة الإفريقية. المغرب لم يكن أبدا قوة استعمارية نهبت ثروات الآخرين وارتكبت المجازر في مستعمراتها وكرّست نظاما عنصريا ضد الشعوب على أساس اللون أو العرق أو الدين. كل تاريخ المغرب أحداث مشرفة عن مد الجسور نحو الشمال والجنوب، نحو غرب إفريقيا وشمالها، أو نحو الأندلس منارة الحضارة في تاريخ أوربا الوسيط.
ولهذا فإن على السلطات الفرنسية التي لا تزال تعتقد أن إعلامها سيف مسلط وبتار أن تعود إلى رشدها وتعلم جيدا أن الزمن الذي نعيشه مختلف ولم يعد يعترف بهذه الأساليب والممارسات. نحن في عصر تخترقه اليوم قوى صاعدة جديدة وتتحكم فيه تحالفات مختلفة ولعلّ الأنفع والأجدى بالنسبة لبلد مثل فرنسا أن تستثمر علاقاتها التاريخية مع بلد عريق كالمغرب من أجل بناء شراكة جديدة ترتكز بالأساس على الاحترام المتبادل والندية بدلا من الاستمرار في العمل بعقلية استعمارية لم يعد أحرار إفريقيا يطيقون مجرد الشعور بها.