هنا المغرب.. نهاية السير بالنسبة لإملاءات الاستعمار
الدار- خاص
المقارنة بين الزيارة المزعومة التي قام بها الجنرال ريجي كولكومبي، مدير التعاون الأمني والدفاعي بوزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية إلى المغرب، وبين الاستدعاء الذي تلقاه رئيس الأركان في الجيش الجزائري السعيد شنقريحة للحضور سريعا إلى فرنسا في فبراير الماضي، تظهر الفرق بين بلد يمتلك سيادته الكاملة على قراراته ويعيد بناء قواعد التعامل مع القوى الاستعمارية السابقة، وبين نظام مترنح ومرتعش وتائه بين ولائه للعرّاب الفرنسي والسيد الروسي. لقد تحدثت السفارة الفرنسية عن زيارة ريجي كولكومبي للمغرب في الوقت الذي لم يرد لها أي ذكر في أي وسيلة إخبارية رسمية، بينما تلقى رئيس الأركان الجزائري خلال زيارته في فبراير الماضي إلى باريس خوذة للحرس الوطني الفرنسي كهدية.
هذه المفارقة بين الصورتين تؤكد بالملموس وبما لا يدع مجالا للشك أن المغرب وضع القواعد والمعايير التي ينبغي أن تدار بها علاقاته الخارجية عموما وتلك التي تربطه بفرنسا خصوصا، وحسم أمره وعلى الطرف الآخر أن يمتثل لها ويسير على نهجها مثلما تنص على ذلك البروتوكولات والأعراف الدولية. السلطات المغربية ترفض تماما محاولات الابتزاز التي تحاول باريس أن تبررها بكون بلادنا حليفا تقليديا وعريقا وأن ما بينها وبيننا أكبر من البروتوكول أو من القواعد. هذا الأمر لا يكون صحيحا بالنسبة لفرنسا إلا عندما لا يمس سيادتها أو كبريائها. أما عندما يتعلق الأمر بكبرياء وسيادة البلدان الأخرى فهي لا تتردد في انتهاكه.
عندما زار السعيد شنقريحة، الأسير السابق لدى المغرب، فرنسا في فبراير الماضي حظي باستقبال مسؤول غير رفيع بالمرة، بينما لم تنشر السلطات الفرنسية أي صورة للقاء الذي ادعت السلطات الجزائرية أنه جمعه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. هذا الأخير الذي يتلقى هذه الأيام الصفعة تلو الأخرى أينما حل أو ارتحل في إفريقيا، هو نفسه الذي حاول قبل فترة الدخول إلى التراب المغربي قادما من الجزائر وبشكل غير متفق عليه من قبل وبطريقة غير رسمية، وكأنه سيدخل إلى مقاطعة فرنسية. لقد رفضت السلطات المغربية حينها السماح باستقبال طائرة الرئاسة الفرنسية، على اعتبار أن زيارة الرؤساء والمسؤولين السياسيين إلى البلدان الأخرى ينبغي أن تمر عبر القنوات الدبلوماسية المعروفة، من خلال اتفاق مسبق عليها مع تحديد موعدها وتنظيم المراسيم الخاصة بها.
واليوم ومهما حاولت السلطات الفرنسية، وأجنحتها الإعلامية تلميع صورة العلاقات مع المغرب، فلا يمكنها بتاتا أن تحجب الحقيقة عن الجمهور المحلي أو الإفريقي. العلاقات بيننا وبين بين باريس تمر بأزمة حقيقية، بل هي في مخاض سيولد منه لا محالة عصر جديد في تدبير المصالح بين البلدين. ولعل أهم معالم هذا العصر هذا اليقين المغربي، الشعبي والرسمي، بضرورة الاعتراف ببلدنا كنِدّ وليس كتابع أو حتى كحليف. على فرنسا أن تدرك أن انفتاح المغرب على شركاء آخرين كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وغيرهم، لا يتعارض بتاتا مع الحفاظ على علاقات جيدة بين بلدينا، لكن على أساس متوازن يخرج منه الطرفان رابحين.
ومن هنا فإن أول ما ينبغي أن تقوم به الدبلوماسية الفرنسية هو إجراء تقييم ونقد ذاتي ضروري ومؤكد في هذه المرحلة. هل سبق للخارجية أو الرئاسة الفرنسية أن تساءلت حقيقة عن سر هذا الغضب الذي يجتاح إفريقيا من فرنسا وسياساتها ومواقفها؟ إن تبرير ذلك دائما بنظرية المؤامرة وتدخل المنافسين كالصين وروسيا ليس جوابا كافيا ولا مقنعا، لا لإفريقيا ولا لفرنسا نفسها. إن السبب الحقيقي لهذا الغضب العام هو منطق الإملاءات الذي تريد فرنسا أن تستمر في نهجه في تعاملها مع الدول الإفريقية ومن بينها المغرب. لكننا نؤكد اليوم لماكرون ولِشياطين السياسة الخارجية في فرنسا أن الوضع مختلف تماما عند حدودنا. هنا المغرب، وقد ولّى زمن إملاءات الاستعمار.