أخبار دولية

لماذا ترشح واشنطن استضافة المغرب لقيادتها العسكرية في إفريقيا؟

الدار- خاص

أن يعتبر السناتور الأمريكي دان سوليفان المغرب مرشحاً “فوق العادة” في إفريقيا لاستضافة مقر القيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، فهذا دليل إضافي على المكانة التي أصبحت تحتلها بلادنا على الصعيد الدولي، من حيث جاذبيتها الأمنية والاقتصادية، وقدرتها على إقناع الحلفاء والأصدقاء بإمكاناتها الهائلة باعتبارها بلدا جاهزا لكل التحديات. إذ ليس من السهل بتاتا أن تحسم الولايات المتحدة الأمريكية في تحديد البلد الذي سيحتضن قاعدة عسكرية عادية، فما بالك بقيادة مركزية للقوات الأمريكية في قارة بأكملها. هذا التصريح الذي زكى فيه سوليفان المغرب لاحتضان هذه القيادة لم يطلقه في إطار لقاء عابر أو في حوار إعلامي، بل أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي.

ماذا يعني إذن ترشيح المغرب لاحتضان هذه القيادة الإقليمية؟ أولا يعتبر هذا الترشيح تعميقا رسميا للعلاقات الأمريكية المغربية، التي بلغ فيها المغرب منذ سنوات عديدة مرتبة الحليف الاستراتيجي. وهي مرتبة لا تمنحها واشنطن للكثير من البلدان في العالم، بل تخصّ بها فقط بعض الدول التي وصلت درجة التعاون المشترك معها إلى مستويات عالية من الثقة والتنسيق المتبادل. الولايات المتحدة الأمريكية تستند في هذا الاعتبار الخاص الذي تكنه للمغرب على أساسين: أساس تاريخي، باعتبار أن المغرب كان أول بلد يعترف رسميا في العالم باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية، عندما كانت مجرد بلد ناشئ يتحرر من الاستعمار البريطاني، ليبني لنفسه مكانة قارية ثم عالمية.

الأساس الثاني نابع من تجارب الحاضر. لقد اختار المغرب منذ استقلاله الانضمام إلى صف الديمقراطيات وابتعد عن معسكر الاستبداد الذي كان تحت جناح الاتحاد السوفياتي. وطوال فترة الحرب الباردة كان المغرب شريكا حقيقيا في أغلب المعارك التي خاضتها واشنطن سواء ضد بعض الأنظمة الاستبدادية، أو ضد الإرهاب. ولعلّ ركائز هذه العلاقة التي تعززت بعد أحداث 11 شتنبر، وأحداث الدار البيضاء الإرهابية في 2003، كانت قد برزت بالأساس في ميدان التنسيق الأمني عالي المستوى بين البلدين. تدبير ملف الإرهاب الذي اكتوى كلا البلدين بنيرانه، كان على سبيل المثال واحدا من مجالات التعاون النموذجية بين الرباط وواشنطن.

ولا يزال هذا الأساس الأمني إلى اليوم نموذجا في مجال تقييم العلاقات الثنائية بين دول العالم، وبين أمريكا وباقي شركائها الدوليين. قبل أسابيع قليلة كانت الزيارات على مستوى رفيع تتواصل فيما يخص مسؤولي المخابرات المركزية الأمريكية أو إدارة التراب الوطني ومكتب التحقيقات الفيدرالي أو المكتب المركزي للأبحاث القضائية. مسؤولون أمريكيون على أعلى مستوى حلّوا بالمغرب في إطار هذا التنسيق، كما شهدت واشنطن زيارة المسؤول الأمني الأول عبد اللطيف الحموشي مؤخرا، وفي مناسبات عديدة.

لكن الوجه الآخر الأكثر إشراقا ونجاحا في هذه العلاقة التي تدفع واشنطن إلى اقتراح نقل قيادتها العسكرية الإفريقية إلى المغرب، هو نموذج مناورات الأسد الإفريقي. إنها قصة نجاح مستمرة منذ سنة 2007 تاريخ انطلاقها، والتي ستستأنف في دورتها الجديدة في مايو المقبل. هذه المناورات شهدت على سبيل المثال خلال نسخة 2022، مشاركة 7500 جندي يمثلون 18 دولة، من أبرزها البرازيل وتشاد وفرنسا وإيطاليا وهولندا والمملكة المتحدة وتونس وغانا ودول أخرى. هذا النموذج الذي تمثله مناورات الأسد الإفريقي يعطي للمغرب نقطة امتياز هائلة بالمقارنة مع العديد من الدول الإفريقية الأخرى التي يمكن أن تترشح لاستضافة هذه القيادة.

ومن أهم نقاط الامتياز هذه، الخبرة المغربية الواسعة في مجال رصد الأخطار الأمنية والعسكرية المحدقة بالقارة الإفريقية، وعلى الخصوص بمنطقة غرب إفريقيا. ليس الأمر إذاً مقتصرا فقط على الموقع الجغرافي أو العلاقات التاريخية، لكن هذا الترشيح مستند أيضا إلى أن تواجد قيادة أفريكوم في المغرب يمكن أن يسهل عمليات الحد من الأخطار الأمنية وتهديد الاستقرار بالمنطقة، بالاستفادة من جهة من خبرة القوات المسلحة الملكية، ومن جهة أخرى من المعرفة المسبقة والقبلية للمغرب ومؤسساته المختلفة بما يحدث في القارة السمراء، وكذا من علاقاته الممتدة داخل بلدان المنطقة. فالمغرب لن يكون باحتضانه لهذه القيادة مجرد مأوى للجنود والقادة الأمريكيين بقدر ما سيكون جسرا بينهم وبين القادة الأفارقة والحكومات في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى