أخبار دولية

“اللاعودة”.. طعنة تبونية على الملأ في الأخوة المغربية الجزائرية

 هذا التصريح الذي أدلى به الرئيس الجزائري عبد المجيد في حوار خص به قناة الجزيرة القطرية يلخص بدقة بالغة تاريخ الحقد والكراهية والكيد الذي يكنّه نظام الكابرانات للمغرب. رئيس دولة يقطع الأمل في العلاقات مع البلد الذي ساعده على التحرر من المستعمر، ويترك الباب مفتوحا تماما أمام كل الآمال في وجه البلد الذي كان يستعمره. هذه هي المفارقة الصارخة التي يعيشها الكابرانات، مدفوعين بحالة دبلوماسية انتحارية واضحة، بلغت حد القطع النهائي لكل إمكانية للتطبيع أو المصالحة مع المغرب، البلد الذي دفع شعبه وحكومته وملكه أثمانا باهظة من أجل تحرير الجزائر واستقلالها في لحظة من لحظات التاريخ.

هل هناك رئيس دولة عاقل في هذه الدنيا يتحدث عن “نقطة اللاعودة” في العلاقات مع البلد الذي يتشارك معه حدودا جغرافية ممتدة وعلاقات تاريخية وإنسانية وثقافية لا حدود لها؟ هذا النوع من التصريحات المجنونة لا يمكن أن يصدر إلا عن عصابة من نظير عصابة الكابرانات، التي تحضّر على ما يبدو لمغامرة عدوانية قد تكون لها عواقب وخيمة. الحديث عن نقطة “اللاعودة” في الأعراف الدبلوماسية الدولية يعادل التهديد بالتصعيد أو الحرب. فالكلمات لها معانٍ دقيقة في لغة الدبلوماسية والعلاقات الخارجية، ويُفترض من رئيس دولة أن يضبط جيدا ألفاظه وعباراته، وأن يُوكِل لأهل الاختصاص من خبراء التواصل مهمة التدقيق قبل البوح.

ولأن عبد المجيد تبون يعيش حالة إسهال تواصلي منذ سنوات بسبب الخيبات التي يعيشها الشعب الجزائري وتبخر الوعود التي كان أطلقها في حملته الانتخابية، تصل الهفوات السياسية لهذا النظام إلى أبعد مدى. يصح هذا طبعا إذا أحسنّا الظن بتصريحات تبون، واعتبرنا أن حديثه عن “اللاعودة” هو مجرد مبالغة أو هفوة تواصلية، والحال أن ما قاله رجل العسكر يمكن أن يؤوّل على أساس أنه مقصود من نظام شنقريحة، الذي ترأس قبل أيام قليلة فقط تمرينا عسكريا بالذخيرة الحية، كما نقلت ذلك وسائل إعلام رسمية. عندما يتحدث رئيس دولة عن “اللاعودة” مباشرة بعد تمرين عسكري بالذخيرة الحية، وخطاب عنتري ألقاه رئيس الأركان، فلا يمكن تأويل كل هذه المعطيات إلا بأنها بمثابة التهديد بإعلان الحرب في أقرب مناسبة.

لم نسمع حتى من الفلسطينيين تصريحا بهذه الدرجة من القطيعة والكراهية ضد الإسرائيليين، لم نسمعه من الصينيين ضد الأمريكيين، ولا من الروس ضد الغرب، ولا حتى من الهنود ضد الباكستانيين، لكننا نسمعه وفي أكبر قناة إخبارية عربية، يتابعها ملايين المشاهدين العرب، يصدر عن رئيس دولة عربية ضد بلد عربي جار وشقيق. ولعلّها فرصة مناسبة كي يرى الرأي العام العربي كيف يفضل هذا الرئيس العربي أن يترك الباب مفتوحا على المصالحة مع مستعمره السابق، بينما يقفل كل الأبواب أمام جاره العربي الأمازيغي المسلم الإفريقي مثله. هذا الحوار التلفزيوني فضيحة جديدة من فضائح نظام شنقريحة ومهزلة بكل المقاييس، كشفت عن وجهه الحقيقي، وضربت في مقتل كل الشعارات المتفائلة التي كانت تعطي الأولوية في البلدين للأخوة المغربية الجزائرية الخالدة.

المبرر الوحيد الذي يمكننا في المغرب أن نفهم من خلاله هذا التصريح العدائي ضد بلادنا، هو حالة الانفلات وفقدان البوصلة التي يعيشها هذا النظام. إنه تصريح منفعل، بل إن تبون نفسه اعتبر سلوك بلاده تجاه المغرب مجرد “رد فعل” في سياق حواره التلفزيوني، والحال أن الدول التي تحترم نفسها وشعوبها لا يمكن أن تتصرف في تدبير علاقاتها الخارجية مع الجيران أو الأصدقاء أو حتى مع الأعداء بناء على ردود الأفعال. فالمطلوب من الآلة الدبلوماسية التي تمثلها وزارات الشؤون الخارجية أن تبادر إلى الفعل، وألا تنتظر مبادرات الآخرين، سواء منها الودية أو العدائية، من أجل التصرف تحت الضغط وإصدار ردود أفعال متشنجة.

ولكن، ولأننا أصبحنا نفهم جيدا طبيعة تدبير الملفات داخل هذا النظام المرتعش فإننا نفهم أن الصدمات التي تلقاها في العامين الماضيين، رغم كل مليارات البترودولار التي أنفقها، كبيرة إلى درجة أنها من الممكن أن تفقده صوابه. كيف لا، وقد خسر النظام الجزائري مليارات الدولارات من أجل إرضاء إسبانيا عبر إلغاء العمل بأنبوب الغاز المغرب العربي، ثم تلقى منها في النهاية صفعة تاريخية بعد موقفها الشجاع والتقدمي تجاه ملف وحدتنا الترابية. إن الصفعة الإسبانية وحدها، ناهيك عن باقي الصفعات، يمكن أن تفقد شنقريحة وأزلامه صوابهم، وتدفع تبون إلى أن يطلق التهديدات ويقطع كل أمل في عودة العلاقات بين المغرب والجزائر إلى مستويات طبيعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى