أخبار الدار بلوس

هل يسهم المجلس الأعلى للحسابات في نشر ثقافة الإحالات القضائية؟

هل يتجه المجلس الأعلى للحسابات تدريجيا نحو الخروج من دائرة الصلاحيات الاستشارية الضيقة إلى دائرة الصلاحيات القضائية الواسعة؟ هذا ما يمكن استشفافه من المعطيات التي قدمتها الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، زينب العدوي، اليوم الثلاثاء، في عرض ألقته أمام البرلمان حيث أعلنت أن المحاكم المالية بين 2021 وأبريل 2023 أصدرت ما مجموعه 198 حكما وقرارا في حق المسؤولين الذين ثبت ارتكابهم لمخالفات مستوجبة للمسؤولية.

وأهم رقم أعلنت عنه المسؤولة القضائية هو إحالة الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى للحسابات، خلال الفترة الممتدة من 2021 إلى 28 شهر أبريل 2023، على الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض – رئيس النيابة العامة، ثمانية عشر (18) ملفا تخص 14 جماعة ترابية موزعة على عشر جهات ومؤسستين عموميتين تابعتين لقطاع التعليم العالي وشركة للتنمية المحلية بجهة الرباط سلا القنيطرة وشركة مفوض إليها تدبير مرفق النقل الحضري بجهة فاس مكناس.

هذ الإحالات على الرغم من أنها تظل ضئيلة بالمقارنة مع كمّ المخالفات التي ترصدها تقارير المجلس سنة بعد سنة إلا أنها لا تخلو من أهمية في الظرف الراهن الذي أصبحت فيه مكافحة الفساد رهانا استراتيجيا واضحا للدولة والحكومة وكافة المؤسسات. وهذا الجهد الذي يبذله المجلس الأعلى للحسابات يحتاج إلى المزيد من التعزيز والتشجيع بالنظر إلى أن معضلة الفساد أضحت المعرقل الأول والأخير لكل برامج التنمية ومحاولات التطوير ومشاريع الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والثقافي في بلادنا. لقد أكدنا مرارا وتكرارا أن كشف ملفات الفساد ومتابعة المتورطين على غرار الوزير السابق محمد مبديع تمثل رسائل سياسية غاية في الأهمية والتأثير على كافة المستويات.

ما يمكن أن تخلفه تقارير المجلس الأعلى للحسابات وإحالاته القضائية من أثر على تحسين نجاعة التدبير العمومي واستثمار الموارد المالية والحفاظ عليها وحسن استغلالها لا حدود له. فكما يقول المثل العربي: يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن. ولقد كان منطق الردع والزجر دائما أكثر فعالية من منطق الوعظ والإرشاد. وفي ظرفية الأزمة الحالية التي نعيشها متأثرين بموجة التضخم العالمي يصبح تحصين الثروة الوطنية ومقدرات المغاربة حاجة ملحة وضرورية أكثر من أي وقت مضى. نحن في حاجة إلى آخر درهم في الخزينة العامة من أجل استثماره على الشكل الأمثل في تطوير قطاعات التعليم والصحة والثقافة. ومن هنا تقع على عاتق المجلس الأعلى للحسابات مسؤوليات أكثر جسامة في المستقبل القريب والمتوسط للإسهام في الحفاظ على هذه المقدرات.

ولعلّ رئيسة المجلس الأعلى للحسابات قد بعثت رسالة ضمنية إلى باقي الجهات الأخرى التي يخول لها القانون إمكانية الإحالة على القضاء أو على الأقل فضح ما يحدث والكشف عنه، وهي تشير إلى انعدام الإحالات الخارجية الموجهة من طرف الجهات المنصوص عليها قانونا باستثناء وزارة الداخلية. وعلى هذه الجهات التي يخول لها القانون ذلك أن تتخذ ما يلزم في المستقبل القريب من أجل أداء أدوارها أيضا في مكافحة الفساد. وهذا يعني أن التغيير الذي نحتاجه اليوم تغيير ثقافي بالدرجة الأولى حيث أصبحنا في حاجة داخل المؤسسات إلى نشر ثقافة فضح ملفات الفساد والمتورطين فيها، عبر التبليغ في الرقم الأخضر الموضوع لهذا الغرض، أو عبر قيام هذه المؤسسات بالإحالات القانونية المخولة لها. فمن غير المعقول أبدا أن يظل هذا الأمر محصورا فقط في وزارة الداخلية وهيئاتها بينما هناك جهات خارجية أخرى عديدة يسمح لها القانون بذلك، بما فيه القطاعات الحكومية العديدة.

هذه إذاً دعوة أهم حتى مما ينجزه المجلس اليوم عبر إحالاته المباشرة الخاصة به. الترويج لهذه الثقافة وتحسيس مختلف الجهات بأهميتها بل وتحميلها المسؤولية في ذلك ينبغي أن يكون موضوع آراء وتقارير خاصة ومباشرة. ففي نهاية المطاف يظل الدور التحسيسي للمجلس الأعلى للحسابات أهم بكثير من دوره القضائي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى