رفض تأسيس حزب يدعمه.. تبون يفضح العسكر

من أغرب التصريحات التي طرحها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في خرجته الإعلامية الأخيرة أمام ممثلي الصحافة الجزائرية حديثه عن رفضه لتأسيس حزب سياسي يدعمه ويسانده وتأسيس هيئة المجلس الأعلى للشباب بدلا من ذلك من أجل تسيير البلاد. يتحدث الرجل عن المجلس الأعلى للشباب الذي سيسير البلاد وكأنه يقصد بذلك بلاد العجائب أو بلاد الأقزام السبعة، بنوع من الاستغباء لمن يستمعون إليه الذين يعلمون علم اليقين أن الذي يسير البلاد صراحة وبشكل مباشر هو الجيش القابض على السلطة بيد من حديد. والذي فهم أيضا أن لعبة تأسيس الأحزاب السياسية لدعم المرشح الرئاسي لعبة متقادمة قد ولّت منذ زمن.
لم يعد العسكر في الجزائر في حاجة إلى البحث عن غطاء حزبي أو سياسي لأي رئيس يتولى السلطة. كانوا يفعلون ذلك في الماضي من أجل الاستقطاب الانتخابي ومن أجل مواجهة التيارات السياسية والحزبية الأخرى في المجتمع وعلى رأسها التيار الإسلامي ثم العلماني القبائلي. لكن هذا الواقع لم يعد له وجود في الجزائر. واقع الصراع والتنوع انتهى منذ زمن طويل بعد أن بسط اللواء الأسير السعيد شنقريحة يده على السلطة وتمكن من كل مداخلها ومخارجها، بل ولم يعد هناك أي مطالب مدنية ترتفع كي تطالب بالخروج من هذا الوضع أو السير قدما نحو بناء الدولة الديمقراطية التي يحلم بها الجزائريون. فبعد القضاء تماما على دينامية حراك فيفري الشهير يستطيع الرئيس الجزائري أن يترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة دونما حاجة إلى أي حزب سياسي يدعمه أو يخوض حملته.
ثم ما الذي يربط اليوم بين المواطن الجزائري والأحزاب السياسية؟ لا شيء عمليا. لقد انتهت الحاجة إلى الأحزاب في الجزائر منذ أن تحوّل حزب جبهة التحرير ذو المرجعية التاريخية والتحرّرية إلى مفرخة للمتنافسين على السلطة والمتصارعين على النفوذ، ثم أصبح فيما بعد واجهة شكلية لصبغ بعض موظفي النظام العسكري بصبغة مدنية من أجل إدماجهم في المؤسسات والاستمرار بذلك في التحكم بوضع التدبير السياسي في البلاد. المواطن الجزائري يدرك جيدا أن شعارات جبهة التحرير أكل عليها الدهر وشرب، وأن المطالب الحقيقية التي تشغل باله وعلى رأسها بناء دولة مدنية ليست إلى حدود الساعة قيد الإنجاز أو التطوير.
فالجزائر عموما وتاريخيا تعرف صراعا مفتوحا بين إرادتين: إرادة العسكر المستندة إلى قوتها وسلاحها وتغلغلها في مختلف دواليب القرار والمؤسسات والأجهزة الأمنية والمخابراتية. وإرادة الشعب الذي فقد للأسف كل أمل في أي إمكانية لانبثاق ربيع جزائري حقيقي، منذ أن تم الالتفاف على مطالب حراك فيفري بالتضحية ببعض رؤوس نظام عبد العزيز بوتفليقة، قبل العودة من جديد إلى اعتقال النشطاء والحقوقيين والمعارضين والزج بهم في المعتقلات، ثم التضييق على وسائل الإعلام والصحافيين ما أدى ببعضهم إلى الاضطرار لمغادرة البلاد واختيار المنفى. وهذا الصراع هو المستمر إلى اليوم لكن بدرجات متفاوتة بسبب تمكن النظام من الإطاحة بكل خصومه ولو بشكل ظرفي.
ولعلّ حديث الرئيس عبد المجيد تبون عن رفضه تأسيس حزب سياسي يدعمه يمثل اعترافا رسميا بكرتونية الأحزاب السياسية في الجزائر، التي تصنع بين عشية وضحاها من أجل توفير الغطاء السياسي والدعم الانتخابي لمرشح العسكر، والاستمرار في دعمه على مستوى البرلمان والمؤسسات. لقد أراد تبون من خلال هذا التصريح أن يعبّر عن حسن نيته لكنه أساء من حيث لا يدري إلى المنظومة السياسية الجزائرية التي ما تزال تعتمد هذه الأساليب المتجاوزة، على الرغم من مرور أكثر من 60 عاما على بدء تجربة الدولة الجزائرية.