لماذا يتبخّر نواب الكيل بمكيالين عند التصويت ضد الجزائر في البرلمان الأوربي؟

عندما كان النواب الأوربيون يوم الخميس الماضي يصادقون بأغلبية ساحقة على قرار يدين الجزائر بشكل علني بخصوص القمع الممارس على حرية الصحافة والإعلام في البلاد فضل بعض النواب التواري عن الأنظار على غير العادة، بعيدا عن الجلسة البرلمانية التي عرفت حضورا مكثفا. وعندما انكشفت أسماء هؤلاء النواب تبين بسرعة أنهم هم أنفسهم الذين سبق لهم أن صوتوا على توصية في فبراير الماضي تستهدف المغرب وتزج باسمه في تحقيقات حول تأثير لوبيات خارجية على القرار السياسي داخل أوربا، إضافة إلى اتهامات مغرضة بالتجسس. هؤلاء النواب الإسبان والبرتغاليون واليونانيون من بقايا التيارات الشيوعية واليسارية التائهة هم: مانو بينيدا وساندرا بيريرا وجواو لوبيز ونيكولاو ألافانوس وكوستاس باباداكيس.
لم يمتلك هؤلاء المرتزقة الخمسة جرأة الجلوس في قاعة البرلمان الأوربي أثناء التصويت على القرار الذي يدين الجزائر، ويحمّل النظام الجزائري مسؤولية تردي أوضاع الحريات وحقوق الإنسان والصحافة في البلاد، بعد موجة اعتقالات استهدفت الكثير من الأقلام الحرة. ودعا هذا القرار، المصادق عليه بأغلبية ساحقة (536 صوتا مقابل أربعة ضد، مع امتناع 18 عن التصويت) والمتعلق بقضية الصحفي الجزائري إحسان القاضي المحكوم عليه يوم 2 أبريل الماضي بالسجن خمس سنوات، إلى “الدعم الفوري وغير المشروط لهذا الصحفي وجميع المعتقلين تعسفيا والمتهمين لممارسة حقهم في حرية التعبير”.
ويمثل التصويت على هذا القرار إدانة مزدوجة للنظام الجزائري ولبعض المرتزقة من نواب البرلمان الأوربي في الوقت نفسه. فقد فضح التعسف والانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان والحريات في الجزائر، وعرّى عن الواقع المتردي لممارسة الصحافة في هذا البلد الذي أحكم الجنرالات قبضتهم على السلطة فيه. ومن جهة أخرى كشف أيضا عن حجم الفساد الذي يخترق مؤسسة البرلمان الأوربي ويدين بعض نوابه، الذين احترفوا الخطابات المزدوجة ومنطق الكيل بمكيالين. فكيف يعقل أن يتحمس هؤلاء النواب الخمسة للتصويت ضد المغرب في القرار المذكور سلفا بينما يتوارون بجبن غريب عن جلسة يوم الخميس الماضي ويحتجبون عن حضور المناقشات والتصويت على قرار يفترض أنه يتعلق بأوضاع الحريات وحقوق الإنسان؟
هذا يعني أن الحريات وحقوق الإنسان بالنسبة إلى هذه النوعية من النواب البرلمانيين الأوربيين مجرد ذريعة وسياق مناسب للابتزاز يوجه ضد هذا البلد أو ذاك، أو في مواجهة هذا النظام السياسي أو الآخر، وليست مبادئ ثابتة وراسخة ينبغي الدفاع عنها في كل المحافل والمناسبات دون تمييز بين الجزائر أو المغرب أو فرنسا أو غيرها. والمبكي المضحك في هذه المفارقة هي الانتماء اليساري لهؤلاء النواب الخمسة الذين تناسوا فجأة مبادئ الشيوعية واليسار التي تؤمن بحقوق الإنسان بمعناها الكوني والحريات الإنسانية للجميع دونما تمييز. وقد جسد النائب الإسباني ميغيل أوربان كريسبو هذه المفارقة بامتياز عندما اختفى بدوره لحظة التصويت على القرار علما أنه كان المسؤول البرلماني لفريقه عن صياغة المشروع الأولي.
لكننا ندرك جيدا في المغرب سبب هذا التناقض الصارخ الذي يسم مواقف الكثير من النواب الأوربيين. إنهم ببساطة ممثلو الجزائر داخل المؤسسة البرلمانية الأوربية، والناطقون باسمها المدافعون عن مصالحها، حتى ولو عنى ذلك قدرا عاليا من النفاق السياسي الذي يتقنونه جيدا. ويظهر ذلك أيضا التحيز الصارخ الذي يعبّر عنه أمثال هؤلاء النواب باستمرار في مقاربة العديد من القضايا الخاصة بالدول الشريكة للاتحاد الأوربي، كما هو الحال بالنسبة إلى تركيا والمغرب والجزائر. لكن الأهم في هذا المشهد هو أننا ما نزال نمتلك سلطة الفضح، وأن ممارسات تجار السياسة هؤلاء لا يمكن أن تخفى على الإعلام والمراقبين، الذين يدركون جيدا أن البرلمان الأوربي تحوّل للأسف إلى قطعة جبن كبير يتقاسمها اللوبيات وجماعات الضغط التي تعبر عن مصالح مختلف الدول، وأن كل ما يرفع من عناوين ومبادئ عريضة تحت قبة هذه المؤسسة ليس سوى شعارات للبيع يشتريها من يدفع أكثر.