رياضة

أبو خلال لاعب حرّ في سماء الكرة وفي ميدان الهوية

تعبير نادي تولوز الفرنسي عن نيته الاستغناء عن خدمات اللاعب المقرئ زكريا أبو خلال يمثل وساما على صدر هذا اللاعب الخلوق الذي جسد بكل المعاني السامية فعلا وقولا العلاقة السليمة بين الأخلاق والرياضة. رأينا جميعا كيف سطع نجم هذا اللاعب في مونديال قطر الأخير عندما سجل اسمه بمداد من ذهب في قائمة هدافي المنتخب الوطني، وكيف عبر عن روح الانتماء المخلصة والقوية لهويتها الإسلامية المعتدلة، دون أي تشدد أو تمييع. ونتذكر جميعا الصورة الرائعة له في مدرجات ملاعب قطر رفقة زوجته المحجبة وأمه المرأة المستقلة التي لا تضع أي حجاب على رأسها.

ولأنه ملتزم بمبادئه وهويته الأصيلة اختار زكريا أبو خلال أن يعبر عن رفضه المشاركة في الدعاية المثلية وحمل القميص الذي يروج لهذه الإيديولوجيا الجديدة الكاسحة في البلدان الغربية، مثله مثل أربعة من زملائه في النادي، وبضعة لاعبين آخرين من الممارسين في الدوري الفرنسي. لم يعلن أبو خلال أي موقف عنصري أو يدلِ بأي تصريح تمييزي ضد المثليين أو من يدافع عنهم، بل اكتفى فقط برفض ارتداء القميص الذي يحمل العلم المتعدد الألوان وأضحى تقليدا غربيا يصادر حق الآخرين في التعبير عن مواقفهم بحرية في بلاد الأنوار والحرية يا حسرة!! فعلى ما يبدو أصبح رفض الإشادة بالمثلية في المجتمع الفرنسي جريمة يعاقب عليها القانون.

لكن ما حدث لزكرياء أبو خلال في نادي تولوز لن يزيد إلا من شعبيته وتألق سمعته خصوصا في المغرب وفي جل الدول العربية والإسلامية، وفي أوساط الجاليات المقيمة في أوربا. لقد كان بإمكانه ارتداء القميص المذكور والمشاركة في مباراة فريقه وتجنب كل المشاكل والإزعاج والضغوط الناتجة عن ذلك، لكنه لم يفعل لأنه لاعب لا يؤمن بكرة القدم والنجومية فقط، بل هو أيضا شاب ملتزم ومؤمن بمرجعيته الدينية والأخلاقية، ويمتلك الشجاعة الكافية للانفلات من هذا الارتهان الغربي الخطير للإيديولوجيات الجنسية الجارفة التي تجتاح المجتمعات الأوربية والغربية عموما. ولعل المجتمع الفرنسي، وزبانية التقدمية الجديدة لا يدركون أن أبو خلال وأمثاله من اللاعبين يمثلون جيلا جديدا من أبناء الجاليات العربية والإسلامية الذين نشؤوا في أوربا لكنهم متشبثون بهوياتهم الأصيلة.

ومن هنا يأتي تميز هذا الشاب الخلوق الذي فضل أن يضرب كل مغريات الحياة الغربية عرض الحائط ويلتفت إلى تغذية روحه وقلبه بما تلقاه من تعاليم الدين الإسلامي المنفتح من والدته المغربية ووالده الليبي، مجسدا بذلك ثمرة الزواج المختلط الناجح في الأسرة التي تقودها الأم المغربية المكافحة والملتزمة. ليس زكرياء متصوفا أو زاهدا أو تابعا متطرفا اعتزل الحياة والمجتمع وفضل الانزواء على هامشه، بل هو لاعب منفتح يتقن الرياضة التي أحبها وتدرب عليها منذ صغره، وتمكن من بلوغ مستويات احترافية عالية فيها. لكنه في الوقت نفسه لم ينسلخ أبدا عن هويته وانتمائه وظل فخورا بهما ومرتبطا بهما، بعيدا عن الوقوع في فخ التشدد أو الميوعة.

إن موقف أبو خلال الذي دافع عن رأيه بشجاعة في مواجهة المسؤولة في بلدية تولوز وهو يحدثها عن النساء في بلاده يمثل شجاعة منقطعة النظير في الثبات على المبدأ والدفاع عن ثوابت الهوية الوطنية، وصمودا غير طبيعي في مواجهة الإيديولوجيا الطاغية في أوساط الطبقة السياسية والإعلام الفرنسي، حيث أضحى التصريح بالآراء الحرة أمراً في غاية الصعوبة بسبب كثرة التهم الجاهزة وسهام النقد اللاذع الموجهة لكل صوت جريء وصادق بعد أن أصبحت تهم العنصرية والكراهية والتمييز تهماً بمعانٍ فضفاضة توُظف في حملات موجهة لتصفية الحسابات والقتل المعنوي لمن يعبرون عن رأي مخالف أو توجه مناقض للإيديولوجيا المهيمنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى