ما هكذا نحتفل بيوم إفريقيا يا عطاف!!
بدأ وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف أخيرا يبث سمومه ويردد أسطوانة الكابرانات بعد صمت وزاري طال منذ تعيين في التعديل الحكومي الأخير. خرج بالأمس بعد مرور أربعة أيام على الاحتفاء العالمي بيوم إفريقيا ليتحدث عن جمهورية الوهم واختلاق الدويلة الانفصالية في الصحراء المغربية. لم يتحدث عطاف عن قضايا القارة السمراء الحيوية كمكافحة الإرهاب والتصحر والتغيرات المناخية، والمخاطر الأمنية المحدقة وتسلط الأنظمة العسكرية وغيرها من مظاهر التخلف التي ما تزال تغرق فيها. إفريقيا القارة المثخنة بجراح الاستغلال الأوربي وويلات الحروب والتخلف وتعطّل قطار التنمية في حاجة إلى اختلاق دويلة جديدة تنضاف إلى كل هذه الدولة التي لا تستطيع تدبير قضاياها ومشكلاتها.
وما صرح به عطاف يعكس حقيقة المشروع الذي يحمله الكابرانات لإفريقيا، بعيدا عن همومها الحقيقية وأولوياتها الأساسية. مشروع التجزئة والتفرقة والانفصال، وكأن هذه القارة تنقصها الصراعات والخلافات التي تطفو على السطح كل يوم، والتي ليس آخرها الحرب الطاحنة الدائرة اليوم في السودان بين جناحي الجيش. وهذا ما يراهن عليه النظام الجزائري ووزير خارجيته الجديد، الذي بدلا من أن يمد يد السلم والوئام إلى الدول الإفريقية من أجل البحث عن حلول حقيقية لمشكلاتها الاقتصادية وعلى رأسها مشكلة المديونية يفكر فقط في كيفية تقسيم بلد جار كالمغرب، واستنبات دويلة من العدم على الرغم من الإرث الذي تمثله بارتباط مع الحرب الباردة، وهي الحرب التي كانت إفريقيا أكبر ضحاياها عبر التاريخ.
وفي الوقت نفسه الذي يتصور فيه أحمد عطاف القارة الإفريقية بدويلة جديدة وهمية يحلم بها، هناك بلدان أخرى وعلى رأسها المغرب تواصل العمل الحثيث من أجل بلورة شراكات التعاون جنوب-جنوب مع العديد من الدولة الإفريقية، وتجتهد ليل نهار في برمجة مشاريع وخطط لتحقيق التنمية في العديد من دول القارة السمراء، سواء فيما يتعلق بمشاريع صناعة الأسمدة كما هو الحال في المشروع الضخم الذي سيدشن بإثيوبيا بشراكة مع المكتب الشريف للفوسفاط، أو من خلال مشاريع البنية التحتية التي تشرف عليها العديد من المقاولات المغربية في دول غرب إفريقيا، أو من خلال تأهيل اقتصادات الدولة الإفريقية في مجالات القطاع البنكي والاتصالات والتأمينات وغيرها.
وهناك بون شاسع بين من يستثمر ويبني ويعمّر وبين نظام لا همّ له إلا مكايدة جيرانه والبحث عن أي وسيلة من أجل تقسيم ترابهم وتفتيت وحدتهم. عن أي شعب صحراوي يتحدث عطاف؟ هل سبق له أن قارن بين تندوف والعيون، بل هل سبق له أن قارن بين حاسي مسعود أو بشار وبين العيون؟ يكفي أن يعقد وزير الخارجية الجزائري هذه المقارنة ليعرف الفرق بين عقلية العسكر التي تسعى إلى الخراب والدمار، وبين عقلية الملوك التي تسعى إلى البناء والتدشين والتنمية. مدينة حاسي مسعود التي تعتبر من أكبر وأغنى مدن العالم بالبترول أشبه بدوار من دواوير العالم القروي في المغرب، بينما أصبحت العيون اليوم حاضرة من حواضر الجنوب الجميلة التي تشرف ساكنتها وإدارتها.
هذا ما تريده إفريقيا من الجزائر والمغرب وتونس وكافة دول المغرب العربي. تنتظر من هذه الدول أن تقود قاطرة النماء والتطوير، وتوظف ثرواتها في المشاريع الاستثمارية المشتركة الاقتصادية والاجتماعية بدلا من أن تنفقها على شراء الأسلحة والولاءات وتصرفها على اللوبيات التي تستغل بؤس هذه القارة وصراعاتها في الاغتناء ومراكمة الثروات. كان أولى بوزير الخارجية أحمد عطاف في الاحتفال بذكرى يوم إفريقيا الذي يصادف 25 ماي من كل سنة أن يدعو إلى إحياء هياكل الوحدة المغاربية ويطالب بوضع خطط وبرامج مشتركة من أجل الحد من المعضلات الأساسية وعلى رأسها التحديات البيئية التي تضغط اليوم أكثر من أي وقت مضى على الساكنة الإفريقية وتهدد مستقبلها وتدفعها دفعا نحو موجات هجرة جماعية إلى أوربا.