الكابرانات يتوسلون بنظرية المؤامرة لتبرير الفشل والتغطية على الفضائح
الدار-خاص
آخر المُغرّبات التي تفتّفت عنها عبقرية صحافة الكابرانات إقحام اسم المغرب في اجتماع مريخي قالت الصحف الجزائرية إنه انعقد في إسرائيل بمشاركة المخابرات الفرنسية والمغربية غرضه زعزعة الاستقرار في الجزائر. هذا الافتراء الجديد الذي ذكرته صحيفة الخبر نقلا عن مصادر موثوقة حسب ادعائها، و”ربما شاركت في هذا الاجتماع” يمثل قمة مظاهر البارانويا التي أضحى يعانيها النظام الجزائري بعد أن بلغت أزماته الداخلية وإخفاقاته الدبلوماسية مبلغا عظيما. وفي الوقت الذي ينتظر فيه الشارع الجزائري انكباب نظام الكابرانات على حلحلة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعانيها البلاد تواصل قيادة السعيد شنقريحة استخدام أساليب دعائية متجاوزة للتخفيف من حدة الأزمة.
هذه الأزمة الداخلية المتفاقمة على الصعيد الحقوقي وعلى مستوى ضمان الحريات لم تعد خافية على أحد. وبدلا من أن تهتم صحافة الكابرانات بنقدها والدعوة إلى تجاوزها بإجراءات إصلاحية وتدابير لبناء الثقة، فإنها تفضل سياسة الهروب إلى الأمام والفرار من وهج الحقيقة ونارها الحارقة. ولعل ما سرع بظهور هذه الفرية الجديدة وإقحام اسم المخابرات المغربية فيها هو هذا الارتباك الذي هز النظام الجزائري بعد التصريح الفضيحة الذي أدلى به الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قبل أيام واعترف فيه أن الجيش الجزائري هو الذي أعطى “طريحة” للمطالبين بمدنية الدولة خلال التسعينيات، وهو اعتراف رسمي بتورط جيش الكابرانات في المجازر التي شهدتها البلاد خلال الفترة التي عُرفت بالعشرية السوداء.
ولن نشغل بالنا اليوم كثيرا بتقديم دلائل بطلان هذا الاجتماع الوهمي لأنه لا يحتاج إلى ذلك فهو خبر ولد مفبركا. ما يهمنا اليوم هو تقديم التفسيرات المناسبة التي تساعدنا على فهم ما يحدث في النظام الجزائري هذه الأيام، بسبب إخفاقات وقرارات فاشلة وتصريحات أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها غبية. ولن نعود كثيرا إلى الوراء. يكفينا أن نتأمل كرونولوجيا الأسبوعين الماضيين لنفهم حالة الارتباك الحاد التي وصل إليها هذا النظام. في يوم 12 ماي المنصرم أصدر البرلمان الأوربي توصية تطالب النظام الجزائري بالتوقف عن قمع حرية الصحافة وسجن النشطاء المعارضين. وفي يوم 19 ماي نفسه خرج النظام الجزائري خاوي الوفاض من القمة العربية بالرياض. وبعد أيام قليلة دشن الرئيس الجزائري زيارة فاشلة إلى البرتغال تلقى فيها إهانة كبيرة. ومباشرة بعد عودته من لشبونة وجد في انتظاره فضيحة حقيقية بعد كشف السلطات الإسبانية عن صفقة هائلة لتهريب الكوكايين كانت موجهة للجزائر. وبين هذا وذاك شهدت البلاد كارثة إنسانية مأساوية عندما ضربت سيول الأمطار مناطق عديدة وعرت واقع البنية التحتية المهترئة بالبلاد على الرغم من فوائض البترودولار التي تحققها. لقد كانت هذه مشاهد فقط من يوميات النظام الجزائري في ظرف لا يتجاوز أسبوعين. وقد سكتنا عن الكثير.
فإذا كانت تراكمات إخفاق النظام الجزائري بهذه الوتيرة المتنامية فمن الطبيعي أن يكون البديل أمام الكابرانات هو اللجوء إلى منطق الدعايات الإعلامية والاحتماء بنظرية المؤامرة بدلا من تقديم الحساب وتحديد المسؤوليات المترتبة عنها. هل كان اجتماع إسرائيل المزعوم وراء غرق مدينة تيبازة في قطرات الأمطار التي تهاطلت عليها؟ وهل كان هذا الاجتماع الثلاثي المغربي الإسرائيلي الفرنسي المزعوم سببا في إقصاء المنتخبات الجزائرية لكرة القدم من كل المسابقات القارية والدولية؟ من غير المستبعد أن تحمل صحافة الكابرانات هذا الاجتماع مسؤولية فشل الجزائر في استضافة كأس إفريقيا للأمم 2025، أو مسؤولية متابعة ابن الرئيس الجزائري تبون الصغير على خلفية قضية تهريب للمخدرات.
ولن نبالغ إذا اعتبرنا أن بلوغ نظام الكابرانات هذه المرحلة المتقدمة من التهيؤات القائمة على نظرية المؤامرة مؤشر في غاية الخطورة. إنه دليل على أن هذا النظام فقد البوصلة وأصبح يجد صعوبة بالغة في التحكم في خطاباته وربما يفقد السيطرة قريبا على قراراته علما أننا نتحدث هنا عن عصابة عسكرية تعيش منذ عقود على رصيدها المتآكل من شرعية السلاح وذكريات البندقية. وفي ظل تنامي الكوارث الداخلية وانسداد آفاق الإصلاح أو الدمقرطة، واستمرار الستار المسدل على تركة الماضي الثقيلة مع الإمعان في إهانة الشعب الجزائري وهدر مقدراته، نصبح أمام تركيبة انفجارية مدمرة يمكن أن تودي في أي لحظة بما تبقى من أسباب الاستقرار واللحمة الداخلية. ومن ظن أن خبرا مختلقا بسذاجة كهذا يمكن أن يخفف وطأة الحسرة عن المواطن الجزائري ويقنعه بمبررات فشل دولته في بناء نظام سياسي واقتصادي عصري فإنه واهم ولم ينج بدوره من بارانويا العسكر.