حركة رجال السلطة.. من تدبير المسارات إلى تدبير الكفاءات

الدار- علي البوزيدي
من تدبير المسارات إلى تدبير الكفاءات، هكذا بدأت وزارة الداخلية تفعّل التعليمات الملكية الداعية إلى تحقيق فعالية أكبر وترشيد أمثل للموارد البشرية بهيئة رجال السلطة. وفي هذا الإطار دشّنت وزارة الداخلية الحركة الانتقالية الجديدة التي همّت 1116 من رجال السلطة أي ما يناهز % 25 من مجموع أفراد هذه الهيئة العاملين بالإدارة الترابية. لم تعد إذاً الحركة الانتقالية حدثا روتينيا يتابعه المغاربة مرة كلّ 3 سنوات، يضمن إعادة انتشار رجال السلطة وانتقالهم من منطقة إلى أخرى في غياب أيّ تصور أو مقاربة إدارية واضحة. لقد تبنّت وزارة الداخلية بقوة من خلال هذه الحركة الجديدة المشروع الوطني لتدبير الكفاءات الذي بدأ تنزيله منذ زمن.
يتمثل هذا المشروع في إعداد ووضع آليات حديثة ومحكمة لتدبير الموارد البشرية بالإدارة العمومية من خلال استثمار الرأسمال البشري في النهوض بالأداء الإداري وتكريس مبادئ الكفاءة والمسؤولية والمهنية. وتتجلى المقاربة المعتمدة في السعي إلى إقرار منظومة تدبيرية متكاملة وشاملة واعتماد نظام جديد للوظيفة العمومية يقوم على أساس التخطيط الاستراتيجي والتدبير التوقعي للوظائف والكفاءات. ويرتبط التدبير الحديث للموارد البشرية باعتماد الآليات والأساليب العصرية وخلق إطار قانوني جديد للرفع من القدرات والكفاءات عن طريق التكوين المستمر وتعزيز مقاربة النوع عبر تمكين المرأة من ولوج مناصب المسؤولية.
هذه هي فلسفة مقاربة التدبير بالكفاءات التي يتم تنزيلها أفقيا منذ سنوات في مختلف القطاعات الحكومية. لكن يبدو أن وزارة الداخلية عازمة كل العزم على تحويل هذه المقاربة إلى نموذج تحتذيه باقي القطاعات الحكومية الأخرى، بعد أن أسفرت هذه الحركة الانتقالية الجديدة عن استفادة 640 من نساء ورجال السلطة خلال هذه السنة من هذا النظام. وهكذا، ومن خلال إعمال معايير الاستحقاق والتقييم الشامل للأداء أسفرت هذه الحركة الانتقالية عن ترقية ما مجموعه 160 من نساء ورجال السلطة في المهام بالإدارة الترابية. كما تم خلال هذه الحركة الانتقالية إغناء الإدارة الترابية بالأطر الجديدة المتخرجة من المعهد الملكي للإدارة الترابية والبالغ عددها 124 خريجا وخريجة.
وتفيد هذه المعطيات أن وزارة الداخلية فعّلت تماما هذه المقاربة الجديدة بناء على معايير واضحة لتقييم أداء رجال السلطة خاصة بعد أن أضحى المواطن المغربي اليوم أكثر وعياً بحقوقه والتزاماته، وأكثر حرصا على الحصول على الإفادات اللازمة سواء فيما يتعلق بمعالجة ملفاته وطلباته بالقبول أو الرفض. لهذا أشارت وزارة الداخلية في بلاغ لها أن هذه الحركة الانتقالية الجديدة اعتمدت نظام المواكبة والتقييم الشامل بـ 360 درجة، المبني على مقاربة أكثر تثمينا للموارد البشرية وأكثر موضوعية في تقييم المردودية “تجعل من المواطن شريكا في تقييم الأداء”. وبالنظر إلى الأدوار الحساسة والحاسمة جدا التي يقوم بها رجال السلطة فمن الطبيعي أن تحرص وزارة الداخلية على تقديم النموذج فيما يخص الإصلاحات الإدارية المتعلقة بتدبير الموارد البشرية.
فتدبير الموارد البشرية العاملة في ميدان السلطة يمثل رهانا مهما جدا، ليس فقط بالنسبة إلى الوزارة بل إلى الدولة المغربية عموما، بالنظر إلى أن هؤلاء الموظفين يمثلون في نهاية المطاف هيكل الدولة وواجهتها، ويعبرون عن استراتيجياتها وسياساتها في مختلف المجالات. وعلى الرغم من أن الانتقال من تدبير المسارات إلى تدبير الكفاءات ما يزال في طور التنزيل التدريجي، إلا أن الحركة الانتقالية لصيف 2023 ستمثل نموذجا أوليا ستحرص وزارة الداخلية على تتبعه لتقييم نتائجه واستخلاص الدروس المستفادة منه. ولعلّ أهم جانب يتعيّن التركيز عليه في هذا التقييم وتلك المتابعة هو رصد الأثر الذي سيخلّفه أسلوب تدبير الكفاءات على الواقع اليومي لعمل رجال السلطة وعلاقاتهم بالمواطنين وتأثيرهم في المحيط الاجتماعي والثقافي والاقتصادي الذي يعملون فيه. تدبير المسارات نموذج تقليدي تجاوزه الزمن بالنظر إلى طابعه البيروقراطي الجامد، الذي يضمن فيه الموظف ترقياته وانتقالاته في أوقات معروفة ومضمونة، أما تدبير الكفاءات فهو نموذج عصري يحفز الموظفين على المزيد من العطاء ويصنفهم ليس بناء على سنوات عملهم أو مناصبهم وإنما بناء على أدائهم ومستوى كفاءاتهم.