أخبار الدار بلوس

هل يبدّد تعزيز الحوار في قطاع التعليم أسطورة التعديل الحكومي؟

الدار/ تحليل

لا تتردد بعض القراءات الإعلامية والصحفية المتسرعة في التعلّق بشماعة التعديل الحكومي بحثا عن قصص إخبارية تغذي الفراغ الذي تعانيه أحيانا. الأزمات الظرفية التي تشهدها بعض القطاعات الحكومية لم تكن يوما مبررا ولا سببا مباشرا في إجراء التعديل الحكومي. التعديل الحكومي في التاريخ السياسي لبلادنا قرار دستوري يتخذه رئيس الدولة في الوقت الذي يراه مناسبا ليس فقط للقطاع الجزئي المعني بالموضوع بل للبنية الحكومية والسياسية العامة. السلطات العليا في المغرب تؤمن إيمانا راسخا بأهمية الاستقرار السياسي في تمكين السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة من أداء أدوارها وتطوير أدائها.

انطلاقا من هذه القاعدة يصبح التعديل الحكومي مجرد قوس استثنائي للغاية، لا يُلجأُ إليه إلا في الحالات القصوى والظروف الاستثنائية جدا. منذ تولّي حكومة عزيز أخنوش مسؤولياتها في أكتوبر 2021، أي قبل سنتين بالتمام والكمال سعت جاهدة إلى تنفيذ التزاماتها وتنزيل تعاقداتها الانتخابية، مع مواجهة لا تتوقف لتداعيات الإكراهات الاقتصادية التي ظهرت فجأة على هامش اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وعلى رأسها التضخم الاقتصادي الذي اجتاح العالم. لكن هذه الحكومة التي وجدت نفسها وسط هذه الدوامة الجارفة من المفاجآت الظرفية، هي نفسها التي حملت على عاتقها تنزيل برامج وأوراش ضخمة واستثنائية من أهمها ورش تعميم الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية بما يعنيه من التزامات مالية هائلة وتدبير إداري معقد.

ما الذي يمكن أن يبرر اليوم تعديلا حكوميا؟ هل تعدّ الأزمة التي يشهدها قطاع التعليم بسبب الإضراب المتواصل لرجال ونساء التعليم سببا مقنعا بإجراء التعديل الحكومي؟ وما الهدف منه؟ إذا كان التعديل الحكومي سيحدث لتعيين وزير جديد محل وزير التربية الوطنية الحالي شكيب بنموسى مع استمرار المقاربة نفسها دون أيّ تغيير، فسيكون التعديل الحكومي مضيعة للوقت. تدبير هذه الأزمة لا يتطلب تغيير الأشخاص بقدر ما يتطلب الانفتاح على الحوار وتعميقه واتخاذ قرارات شجاعة من الطرفين: النقابات والحكومة من أجل تبديد أجواء انعدام الثقة التي كرستها هذه الأزمة منذ اندلاعها قبل أسابيع.

الحوار ولا شيء غير الحوار يمكنه أن يُخرج القطاع التربوي من أزمته الحالية. الحكومة على ما يبدو متشبثة بقراءتها الخاصة لمستقبل القطاع والإصلاحات التي يحتاج إليها. النظام الأساسي لموظفي قطاع التربية والتعليم الذي شكل صلب هذه الأزمة في حاجة إلى مراجعة، وقد أقرّ بذلك مسؤولون من الحكومة ومن الحزب الذي يرأسها وعبّروا عن استعدادهم لإجراء ذلك. وهذا هو المطلوب في الوقت الراهن. بل إن إجراء تعديل حكومي وسط هذا الاضطراب الذي يعرفه القطاع سيكون مربكا أيضا، وربما أدى إلى مزيد من سوء التفاهم والاصطدام بين التنسيقيات التي تؤطر حركة الإضرابات وبين الوزارة الوصية من جهة والحكومة من جهة أخرى.

بعبارة أخرى تبدو الحاجة إلى استمرار التشكيلة الحكومية الحالية أكبر من الحاجة إلى تعديلها في هذه الظرفية. والانكباب على معالجة الملفات العالقة بجرأة وشجاعة وعلى نحو مباشر هو الحلّ الأمثل لتجاوز هذه الأزمة العابرة. ولعلّ الدولة المغربية واعية تمام الوعي بأن هذا المخاض الذي يحدث الآن في هذا القطاع سيثمر لا محالة رؤية أكثر وضوحا حول مستقبل قطاع التعليم ببلادنا، وربّما كانت هذه الغاية هي سرّ استمرار تشبث الحكومة بمواقفها من جهة وانفتاحها على الحوار من جهة أخرى. المقصود أن الحكومة لا تريد أن تُضعف موقفها لأنها تعتبر النظام الأساسي الذي أقرّته جزءاً من الرؤية السياسية التي تحملها، وينسجم تمام الانسجام مع خطوطها العامة. وهذا ينطوي في الحقيقة على شجاعة سياسية غير مألوفة في التركيبات الحكومية التي اعتدنا عليها.

لقد كان من السهل على الحكومة أن تتراجع بقرار استثنائي عن النظام الأساسي الجديد وتجمّده لإرضاء فئة واسعة من رجال ونساء التعليم، المحقّين في مطالبهم، وتضع حداً بذلك لكلّ المزايدات التي تنال من مصداقيتها في الوقت الحالي. لكنّها أصرت على مواصلة التشبث بهذا النص القانوني ومحاولة شرحه وتوضيحه للفرقاء كافة، لأنها تتحمّل مسؤولياتها السياسية في ذلك. لهذا تبدو الدعوة إلى إجراء التعديل الحكومي أو الترويج له أو التنبؤ المسبق به أمرا خارج السياق بالنظر إلى أن ما قدمته هذه الحكومة في قطاع التعليم يمثل نتائج وثائق وتصورات ومرجعيات متفق عليها، وانطلاقا من أن قاعدة الاستقرار السياسي التي تضمن الأداء العالي تفرض نفسها أكثر من أيّ وقت مضى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى