أخبار الدار بلوس

ملف إسكوبار الصحراء.. كيف يعزّز صورة القضاء والمؤسسة الأمنية للمملكة؟

الدار/ افتتاحية

من الضروري قراءة ما يحدث على خلفية الملف الذي عُرف بقضية إسكوبار الصحراء قراءة تتجاوز المعطيات الإخبارية إلى مستوى استقصاء الدلالات واستخلاص أهم الدروس والعبر. أولا لنتفق جميعا على أن قرينة البراءة مقدسة ولا مجال لمناقشتها أو التشكيك فيها، وما دام القضاء لم ينطق بحكم نهائي في هذا الملف يظّل المحالون على المحكمة متمتعين بهذه القرينة إلى آخر يوم من أيام المحاكمة. ثانيا يهمنا في هذا السياق التأكيد على اليقظة الأمنية التي مكّنت بلادنا من تتبّع خيوط هذه الشبكة الدولية وإلقاء القبض على زعيمها وعلى العديد من المتهمين بالتورط في التهريب الدولي للمخدرات بما يعنيه ذلك من فعالية المصالح الأمنية وجاهزيتها للتعامل مع الجريمة المنظمة.

هذا النوع من الجرائم يمثل بالمناسبة أحد التحديات الأمنية الكبرى التي تواجهها البشرية في هذه الألفية. ويكفي أن نعود إلى الأدبيات التي تصدرها منظمة الأنتربول حول هذه المشكلة لندرك قيمتها. ثالثا وهذا هو الأهم في اعتقادنا أن بلادنا أثبتت مرة أخرى من خلال السير القضائي العادي لهذا الملف أنه لا حصانة لأحد ولا مكانة أو موقعا يمكن أن يحمي صاحبه من المساءلة أو المتابعة إذا تورط في جرم أو لحقه اتهام مثبت بالقرائن والأدلة. الرسالة الأساسية التي ينبغي استخلاصها من سير هذا الملف وإحالة بعض المتهمين من الشخصيات السياسية والعامة على القضاء هي أننا أمام رهانين أساسيين سيشكلان العنوان الرئيس للمرحلة القادمة:

الرهان الأول هو تعزيز استقلالية القضاء. ليس المقصود هو أن المحاكمة الجارية في هذا الملف ستوجّه نحو هذه الغاية، لأن استقلالية القضاء تعني أولا وقبل كل شيء تجرّد المحكمة من أيّ تدخل خارجي أو توجيه سلطوي أو مالي. وإنما القصد هو أن مثول شخصيات من مستوى مرموق أمام القضاء وخضوعهم للمساءلة التفصيلية والمتابعة وربّما التعرّض للعقوبة ينطوي على رسالة غاية في الأهمية، ومن المهم أن تسلَّط عليها الأضواء إعلاميا وأكاديميا لإثبات حاجة المجتمع إلى كسر الصور النمطية التي يحملها عن المؤسسة القضائية. هذه المواقف المسبقة تركز في أغلب الأحيان على مظاهر الفساد ومشكلات الزبونية والمحسوبية والرشوة لكنّها لا تتوقف كثيرا عند ما حقّقته هذه المؤسسة دستوريا وعمليا.

واليوم يمكن لأحداث قضائية مشابهة لملف إسكوبار الصحراء أن تترك الأثر الإيجابي المطلوب الذي يعلّم بعض المتطاولين من جهة والنافذين من جهة أخرى ألّا أحد فوق القانون. هذه الثقافة تحتاج إلى تكريس ونشر وإيمان من الصغير قبل الكبير ومن المسؤول قبل المواطن البسيط. ومثل هذه التجارب التي نشهدها اليوم في القضاء المغربي هي التي تسمح بتحويلها إلى حقيقة وواقع ملموس. لا يجب أن يشعر أيّ فاسد أو متلاعب أو لصّ من لصوص المال العام بالأمان والحصانة فقط لأنه يحتلّ موقعا أو يتولى مسؤولية معينة. وهذا سر الرعب الذي يتملّك اليوم بعض الشخصيات العامة من احتمال التعرّض للمساءلة بعد أن كان في الماضي يستشعر قدرا كبيرا من الراحة تجاه مخالفاته. وهذا مناط أهمية هذه القضية التي سيكون لها دون شك ما بعدها.

الرهان الثاني رهان أمني بالخصوص. المغرب مقبل في السنوات القليلة القادمة على احتضان أحداث عالمية كبرى. في سنة 2025 ستحتضن مدينة مراكش اجتماعات منظمة الأنتربول على غرار اجتماعات سابقة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ونحن نستعد أيضا لاحتضان منافسات كأس العالم 2030 وفوق هذا وذاك هناك سمعة دولية كرّستها إدارة المغرب لجائحة كوفيد 19 وحضوره البهيّ في منافسات كأس العالم بقطر. هذه الصورة في حاجة أيضا إلى حماية وتحصين ومن ثمّ فإن التعامل بحزم وصرامة مع القضايا المرتبطة بالجريمة الدولية المنظمة حاجة ملحة واستباقية لا بد منها.

عندما ستصبح مطارات المغرب التي تعيش ثورة توسيع وتطوير هائلة قبلة لملايين الزوار في أثناء منافسات كأس العالم أو بعدها فهذا يعني زيادة الحاجة إلى اليقظة الأمنية والتصدي للمحاولات الإجرامية التي ستتزايد لا سيما مع تغير مسارات التهريب الدولي القادمة من أمريكا اللاتينية نحو أوربا عبر إفريقيا. هذان الرهانان هما اللذان ينبغي لنا أن نركز عليهما أكثر في تحليل مسار هذه القضية التي تشغل الرأي العام، ولا يرى فيها البعض سوى فرصة لتصفية الحسابات مع بعض المتهمين أو مناسبة لترويج العديد من الأكاذيب والأخبار الزائفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى