عناد نتنياهو.. هل هو ضعف أم استبعاد لنهاية المشوار السياسي؟

الدار / تحليل
العناد الذي يُظهره رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في رفض الموافقة على وقف إطلاق النار النها ئي دون ترك مجال لاستئناف الحرب بعد فترة معينة لا يعني أن الجيش الإسرائيلي وحكومة الحرب حققا تقدّماً بيّناً وواضحا في غزة. فعلى الرغم من الانتصار الصغير في هجوم استرجاع الأسرى بمنطقة النصيرات يبدو موقف المجتمع الإسرائيلي نفسه غير واثق من جدوى استمرار الحرب وإمكانية تحقيق الأهداف المعلنة. استرجاع 4 أسرى من أصل 120 لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن يخدم حكومة الحرب خدمة كبيرة، والدليل على ذلك استقالة الوزيرين بيني غانتس وغادي آيزنكوت التي يمكن اعتبارها ضربة قاضية لهذه الحكومة في لحظة سياسية حرجة جدا.
والدليل الأكثر وضوحا هو أن الاحتفال بعملية استرجاع هؤلاء الأسرى الأربعة كان باهتا، بينما تواصلت احتجاجات عائلات الأسرى الباقين مطالبة بالتوصل إلى اتفاق سياسي. لكن المسكوت عنه في موقف إسرائيل خلال هذه الحرب، والذي لا يقل تأثيرا في نتائجها ومآلاتها هو النزيف اليومي المدمر الذي يشهده الجيش الإسرائيلي. لقد باتت السلطات الإسرائيلية تجد صعوبة بالغة في استقطاب المزيد من المقاتلين للمشاركة في هذه العملية العسكرية الواسعة. وعلى الرغم من احترافية هذا الجيش وجاهزيته القتالية الدائمة وتدريبه العالي وعتاده المتطور اتضح بجلاء أنه عاجز عن مواجهة الحرب وحده دون دعم الحلفاء واستخباراتهم وأسلحتهم. لو لم تقدم الولايات المتحدة بعض المعلومات الحاسمة لما تمكن الجيش الإسرائيلي من تنفيذ عملية تحرير الأسرى التي تسببت أيضا في دمار هائل وخسائر كبيرة في صفوف المدنيين الفلسطينيين.
النزيف اليومي بالقتلى والجرحى وعصيان الكثير من الشبان الإسرائيليين قرارات تجنيدهم وإصرار طائفة الحريديم على استمرار إعفاء أفرادها من التجنيد يمثل في الوقت الحالي نقطة الضعف الرئيسية التي تضغط على الموقف الإسرائيلي ليس سياسيا فحسب، بل ميدانيا وعسكريا أيضا. 42 في المائة فقط من الضباط الموجودين قيد الخدمة العسكرية الدائمة يرغبون في توقيع عقد استمرار عملهم وفقاً لاستطلاع رأي حديث جرى في إسرائيل مؤخراً. يجب ألّا أن ننسى أن دواعي التحفظ على النشر التي تفرضها حكومة الحرب تؤدي إلى إخفاء الكثير من الحقائق ولا سيما تلك المتعلقة بأعداد القتلى والمصابين، والكمائن التي يتعرض لها الجيش الإسرائيلي على يد كتائب المقاومة الفلسطينية. تسمح هذه الإجراءات الطارئة بعدم نشر كل ما يتعلق بالمواجهات الميدانية خوفا من تأثير هذا الأمر في معنويات المجتمع الإسرائيلي.
لذلك لن يؤدي عناد نتنياهو إلى أيّ نتيجة تذكر لفائدة إسرائيل أو لصالح الجيش الإسرائيلي. بل على العكس من ذلك من الواضح أنّ هذا الإصرار الانتحاري يعقّد مرحلة ما بعد المشوار السياسي لنتنياهو ويضعه وحده في فوهة التضحية السياسية. فحتى وزيراه المتطرفان سموتريش وبن غفير لا يتحمّلان أيّ مسؤولية مباشرة عمّا يحدث من إخفاقات عسكرية، ومن ثمّ فإنّ استمراره في الإصرار على حقّ استئناف الحرب حتّى بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار لا يمكن أن ينقذه أبدا من المصير الذي ينتظره. وفي ظل تزايد الخسائر الإسرائيلية كل يوم وتعرّض الأسرى الموجودين لدى حركة حماس إلى مخاطر القتل أو الإصابة بسبب القصف الإسرائيلي، من المؤكد أنّ خط المفاوضات المباشر بين الولايات المتحدة الأميركية وحركة حماس قد يشكل حلّا بديلا لممارسة المزيد من الضغط على الحكومة الإسرائيلية المتطرفة.
تمارس إسرائيل اليوم ضغوطا رهيبة على المدنيين الفلسطينيين في محاولة واضحة لانتزاع أكبر قدر ممكن من المكاسب في المفاوضات الدائرة بينها وبين حركة حماس. وورقة التنكيل بالمدنيين هي الوحيدة التي تسيطر عليها هذه الحكومة في الوقت الراهن، وهذا يعني أن استمرار نتنياهو على رأس هذه الحكومة يعني المزيد من المجازر والجرائم ضد الإنسانية، بينما تزداد صورة إسرائيل تدهورا كلّ يوم بسبب هذا العناد الذي لا يمكن اعتباره أبدا مظهرا من مظاهر القوة بقدر ما هو مظهر من مظاهر الفشل والعجز أمام المقاومة الفلسطينية.