رئيس مجلس المستشارين يفتتح ندوة موضوعاتية جهوية حول التنمية بجهة الداخلة
ينظم مجلس المستشارين بتنسيق وشراكة مع جهة الداخلة-وادي الذهب، ندوة موضوعاتية جهوية في موضوع “الجهوية المتقدمة ورهانات التنمية الترابية المندمجة: جهة الداخلة وادي-الذهب نموذجا”، يوم الخميس 26 يناير 2022 بمقر الجهة.
و تندرج هذه الندوة الموضوعاتية الجهوية الثالثة من نوعها، في سياق الأهمية التي تكتسبها الجهوية المتقدمة “كورش استراتيجي يرعاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده، والانفتاح المتواصل لمجلس المستشارين على انشغالات وتطلعات جهات المملكة”، ومساعيه المستمرة للتفاعل المؤسساتي مع روح وفلسفة الفصل 137 من الدستور الذي ينص على: “تساهم الجهات والجماعات الترابية الأخرى في تفعيل السياسة العامة للدولة، وفي إعداد السياسات الترابية، من خلال ممثليها في مجلس المستشارين”.
وفي كلمته الافتتاحية بهذه المناسبة ، قال رئيس مجلس المستشارين ، النعم ميارة ، أنه في إطار تنويع المقاربة و المصاحبة لورش الجهوية، ارتأ مجلس المستشارين، إبداع صيغ للتفكير الجماعي مبنية على معطى القرب، وعلى الانتقال إلى الجهات. وفي هذا السياق تجد الشراكة التي تربطه مع جمعيات المجالس الترابية الثلاث سندها و مبررها، والتي من مخرجاتها تنظيم هذه الندوة التي نحن بصدد افتتاح أشغالها.
وأوضح ميارة ان مجلس المستشارين الذي يُزاوج بين تمثيليات متعددة متنوعة، سوسيو مهنية، لكن أساسا تمثيلية قادمة من المجالس الترابية، لهذا فإن خولت له أفضلية على مجلس النواب في كل ما يتعلق بالقضايا المرتبطة بالتنمية الجهوية و القضايا الاجتماعية، و تبعا لذلك، عليه أن يظهر بمظهر برلمان الجهات و المجالس الترابية الأخرى، حاملا لهم تطوير هذه التجربة الواعدة، موفرا لها السند التشريعي الملائم، و الترافع الجاد الضروري، و المصاحبة اليقظة لإنجاح مسلسل لازال في طور البداية، لكنها بداية مشجعة وبآفاق واعدة للتطوير والتدعيم .
وأشار رئيس مجلس المستشارين ، انه هذا الأخير أُحدث و أدرج في أجندته السنوية، الملتقى البرلماني للجهات، الذي وصل خلال السنة الماضية لمحطته الرابعة، وهو ملتقى يشتغل على قضايا دقيقة، إما لتوحيد الرؤى بخصوصها، أو لإيجاد أرضية للتوافق حولها تشخيصا و اقتراحا للحلول، أو لتقريب وجهات نظر مختلفة، تُعيق الانسجام المطلوب والتكامل المرجو من قبل كل المتدخلين. وفضلا عن هذا الملتقى، تم إحداث “الندوات الموضوعاتية الجهوية”، وهي إطار جهوي، تحتضنه الجهة المعنية، وخلاله يتم الانتقال من التفكير الماكرو، إلى مقاربة الإشكلات المطروحة جهويا، عبر التوقف عند مقاربة الجهة المعنية لمطلب التنمية، والأجوبة المقدمة لأسئلة المجال، ودور النخب في إبداع حلول غير تقليدية لإشكلات التمويل، والتهيئ التشاركي لبرامج القرب، ومدى القدرة على ممارسة الاختصاصات بمحددات النجاعة والفعالية…
و واصل النعم ميارة حديثه ، قائلا: “لقد كنتم شهودا، على انطلاق ورش الجهوية، بداء بالتفكير فيه، مرورا بدسترته، فإخراج القوانين التنظيمية المتعلقة به، فانتخاب المجالس الجهوية في مناسبتين، وقبل ذلك مرحلة إخراج النصوص التنظيمية التي تتوقف عليها فِعلية القوانين التنظيمية… لقد كانت هذه البداية، موسومة بالآمال العريضة، وبالتخوفات الموضوعية، والانتظارات العديدة… “.
وأضاف المتحدث: ككل إصلاح مهيكل، لا بد له من الزمن لكي يكتمل تبلوره، وتعي النخب الجهوية أدوارها ومسؤوليتها الجديدة، وتتكيف الدولة مع فكرة تقاسم الاختصاص وفق خانتي الذاتي و المشترك، ويتمثل المواطنون لحظة التحول هذه عبر النظر إلى انتخابات الجهات، وتشكيل مجالسها كلحظة للممارسة الديمقراطية ولتشكيل هيئات منتخبة أصبحت هي المخاطب بدلا عن الدولة في كل معضلات التنمية وأسئلتها المقلقة المتجددة..”
وأوضح ميارة أن الطموح هو الارتقاء بهذه التجربة، التي تجعلنا نضعها موضوع مسائلة، موضع تفكير، موضع تأمل و تداول. لكن ونحن نمارس ذلك يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن أول تجربة للمجالس الجهوية تعود فقط إلى ثماني سنوات خلت، وأن الإمكانات المادية والتشريعية وتلك المتعلقة بتوفير بيروقراطية محلية لم توضع منذ البداية. يضاف إلى ذلك، أن ممارسة المجالس الجهوية لهذه التجربة وتملكها لم يكن بالمعطيات ذاتها، فهناك مجالس وفر لها انسجام الأغلبية شرطا موضوعيا للانطلاق و للفعل، وأخرى عطل فيها غياب الأغلبية انطلاق عملها، وهنام مجالس سمحت لها جاذبية مجالها باستقطاب الرساميل والمشاريع المنتجة، وأخرى افتقرت إلى ذلك ولم يتم الإحساس بهذه النقلة التنظيمية الكبيرة.
لذلك، يرى رئيس مجلس المستشارين، أن هذه اللقاءات ترمي إلى تغيير المقاربة للموضوع، فإذا كانت السنوات الأولى للتجربة تدور حول معضلات التمويل، وتتمة البناء القانوني، وتعثرات البدايات، والبرامج التنموية ودور الخبرة التكنقراطية في إعدادها، وعن وضع الأنظمة الداخلية للمجالس كآليات للتدبير الداخلي…فإن المرحلة تقتضي تقاسم التجارب، والاهتمام بمعرفة لماذا تم تسجيل النجاحات في منطقة، ولماذا كان الإخفاق والتعثر في مناطق أخرى…
وتسائل المتحدث خلال كلمته، كيف يمكن تقاسم أسباب النجاح ونتجنب مسببات التعثر ؟ وكيف يمكن لهذا الحوار الداخلي بين المجالس، أن يغني التجارب والممارسات الفضلى، وأن يكون باعثا للإستلهام، ودافعا للتجديد ؟
ويرى ميارة في معرض حديثه ، أن وصفات النجاح لا تكون في النصوص القانونية المنظمة، وإنما في كيفية إعمال نصوص جامدة في بيئة جهوية متغيرة، بمعطيات جغرافية وبشرية متنوعة، وبرهانات متباينة، وبوقائع مختلفة.
ليؤكد أن همنا اليوم، هو أن ننتقل إلى هذه الجهات، إلى مجالات تدبيرها، للانصات إليها، وهي تعرض تجربتها، لتتفاعل معها باقي الجهات، في انفتاح للجميع على الجميع، في تبادل للخبرات و للتجارب.
وعن اختيار تنظيم هذه الندوة بوادي الذهب، فإنه يحمل دلالات رمزية كبيرة، لكن هذه الرمزية مقرونة أيضا بمعطيات موضوعية عديدة، فالجهة، هي جهة واعدة، بإمكانات اقتصادية وتنموية هائلة ومتعددة، فضلا عن موقع جغرافي، يجعل هذا المجال بوابة ترابية و بحرية نحو الامتداد الأفريقي، هذا الامتداد الذي استرجع كل زخمه بالقرار التاريخي لجلالة الملك، نصره الله، بعودة بلادنا إلى مكانها الطبيعي ضمن العائلة المؤسسية الإفريقية.
كما أن جهة الداخلة-وادي الذهب، أصبحت قبلة لكل الاستثمارات الباحثة عن الفرص الاقتصادية، في سياق كوني موسوم بالأزمة، كما أنها تُقدم عرضا اقتصاديا غير محصور في قطاع دون آخر، فالثروات السمكية توفر المادة الأولية للصناعة الغذائية، والمخزون المائي، يتيح إمكانية نشوء قطاع فلاحي، والموقع الجغرافي يضفي جاذبية على المجال لإنعاش سياحة الصحراء والبحر، دون أن ننسى تنامي قطاع الخدمات، المرتبط تطوره بتطور القطاعات الإنتاجية الأساسية.
كل هذه المقومات، يضيف المتحدث، هي موضوع تدبير جهوي، بأفق وطني كبير، فالجهة مؤطرة، أيضا، بمرجعية النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، وهو ما يُلقي على مجلسها تحديات إضافية، برهانات تتجاوز المحلي و الجهوي. فهذه الجهة كما نخبتها تُسوق اليوم للترافع على نجاح خيار التنمية، وعلى وجود إرادة سياسية لتجريب نمط جديد من التدبير يعطي للساكنة المحلية فرصة إدارة مجالها عبر قواعد الديمقراطية و الانتخاب، كما أن الجهوية، بمنحدرها الديمقراطي، تعطي اليوم للقائمين عليها شرعية الحديث باسم الساكنة، باسم مطالبها، باسم اختياراتها ، ضدا على متحدثين باسم شرعية متوهمة لا سند لها .
ولأن الجهوية، بما تعينه من العودة إلى المحلي، فإن هذا المحلي ليس فقط موارد وإمكانات بل هو أيضا الإنسان، لسانه، تقاليده ، موروثه ، و ثقافته . فلا غرابة أن ينتبه دستور المملكة إلى أهمية هذا البعد، فحفظت ديباجته للبعد الحساني الصحراوي مكانته، كمكون من مكونات الهوية الوطنية الموحدة المنصهرة، وأنشأ فصله الخامس التزاما من خلال عمل “الدولة على صيانة الحسانية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة”، وهو ما يستدعي عملا كبيرا للوفاء بهذه المضامين، من خلال التعريف بهذه الثقافة ورموزها، وتعريف النشء بها، وجعلها واجهة من واجهات التعريف بالمجال و خصوصياته .
الدار: و م ع