أخبار الدار بلوس

فرنسا تفشل في رفع ورقة “الابتزاز” في وجه المغرب للحفاظ على “كعكة” صفقات مشاريع البنيات التحتية

الدار- تحليل

كانت قضية التأشيرات الفرنسية بالمغرب، كافية لتكشف الوجه الحقيقي لفرنسا تجاه المغرب، وحنين الجمهورية الخامسة الى الأمس القريب، حينما كانت تعتبر، المغرب “الحديقة الخلفية لها”، بحسب تعبير الأبيات الإعلامية الفرنسية.

فرنسا وهي تسعى الى “تركيع” المغرب، خاصة بعد الخطاب الأخير لجلالة الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب الذي أكد فيه أن “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم”، فهمت الرسالة جيدا، فحاولت الالتفاف على المطلب المغربي، وهي تدرك أن الدبلوماسية المغربية أصبحت أكثر واقعية، وندية، وصارمة في التعامل مع المؤامرات التي تحاول النيل من الوحدة الترابية للمملكة.

أولى مؤشرات المناورات الفرنسية، هو اعلان باريس في 31 غشت الماضي، عن نهاية العقوبة التي فرضتها في شتنبر 2021 على المواطنين التونسيين بتقليص نِسَب التأشيرات التي تُصدرها لهم بنسبة 30%، بعد أن وافقت الحكومة التونسية على استرداد مواطنيها الموقوفين الذين وصلوا إلى الضفة الأخرى بطرق غير نظامية. وأشادت باريس كثيرا بالدينامية التونسية في التجاوب مع الطلبات الفرنسية فيما يخص قضية الهجرة غير النظامية، مما دفعها إلى استثنائها من العقوبة التي شملت المغرب، وهو ما فهم منه أن فرنسا ترفع ورقة “التأشيرات” في وجه المملكة.

ثان مؤشرات المناورات والابتزاز الفرنسي، للمغرب، تأكد جليا من خلال استضافتها، شهر شتنبر الماضي، لقيادات من جبهة “البوليساريو” الانفصالية بمقر البرلمان الفرنسي، وهو ما أثار استغراب الأوساط المغربية؛ بالنظر إلى أن هذا السلوك يأتي عقب خطاب الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب الذي أكد فيه أن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم.

وان كانت أزمة التأشيرات، بحسب مراقبين، ليست سوى أحد التداعيات الجلية لأزمة صامتة بين المغرب وفرنسا، فان تداعياتها وصلت الى الجانب الاقتصادي، بعد أن حلَّت إسبانيا قبل فرنسا في سُلَّم الأولويات الاقتصادية المغربية، ناهيك عن كون المغرب صار منافسا قويا للشركات الفرنسية في أفريقيا، لا سيما مع تراجع نفوذ باريس في غرب القارة، وسعي الرباط لإيجاد عُمق قاري لها يدعمها في الملفات المهمة، وعلى رأسها ملف الصحراء، دون نسيان توجه المغرب نحو العرض الصيني لتنفيذ صفقة القطار فائق السرعة بين الدار البيضاء وأكادير بدلا من العرض الفرنسي، المكلف ماليا ولوجيستيا.

ما لا تدركه باريس، وهي تحاول “لي ذراع” المغرب، من خلال المساومة والابتزاز، هو أن ” المغرب لم يعد كما كان”، حسب تعبير وزير الشؤون الخارجية والتعاون الافريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، لتواصل سياسة “اللعب على الحبلين”، و التعامل مع المغرب كما باقي دول شمال إفريقيا “حديقة خلفية لباريس”، يمكن “ابتزازهم” وقتما دعت الضرورة لذلك، طبقا لمصالحها الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية في المنطقة.

منطق انتهازي يرفضه المغرب، جملة وتفصيلا، وهو ما تجلى في دعوة باريس للخروج من “منطقة الراحة” من أجل بناء شراكات اقتصادية واضحة، مؤسسة على مقاربة “رابح-رابح” التي تمثل في واقع الأمر “الاطار المرجعي” للدبلوماسية المغربية.

فرنسا، التي تقف وراء تقرير البرلمان الأوربي، المتحامل على المغرب، والذي يعتبر تدخلا سافرا في شؤون المملكة الداخلية، واستهدافا لمؤسساتها، فهمت أن المغرب بدأ يولي ظهره منذ سنوات، الى المؤسسات والشركات الفرنسية، التي كانت تنظر الى المغرب كـ”بقرة حلوب” لإنجاز مشاريع البنيات التحتية والاستثمارية، فحاول قاطنوا “الايليزيه” ممارسة الابتزاز والضغط، للحيلولة دون فقدان نفوذهم الاقتصادي في المغرب لصالح إسبانيا.

منذ سنوات لم تعد باريس تظفر بأهم صفقات المشاريع الضخمة التي كانت تظفر بها في المغرب بدون منافسة بعد أن دخلت الصين وألمانيا وتركيا وإسرائيل وبريطانيا بَعد “البريكست” على خط التنافس على مشاريع الطاقة والنقل والتسليح والتصنيع والبنيات التحتية في المملكة، وأصبحت الرباط تبتعد أكثر فأكثر عن منطق “الأستاذ والتلميذ” مع باريس، وهو ما لم يرق هذه الأخيرة، التي حاولت اتخاذ ملف “الصحراء المغربية” و ” التأشيرات” و ” حقوق الانسان” مطية لـ”لي ذراع المملكة”، متناسية أن هذا المنطق لم يعد مجديا في الوقت الراهن.

بالنسبة للمغرب، لم يعد العثور على بديل لفرنسا بخصوص مجموعة من الشراكات الاستراتيجية أمرا معقدا، وعصي التحقق، وهو ما تأكد من خلال توقيع عقد شراكة مع روسيا في مجال الحصول على مفاعل نووي من أجل الاستعمالات السلمية، يضمن للرباط الحصول على مصدر جديد نظيف للطاقة الكهربائية، وهو العقد الذي اتخذ الطابع الرسمي بعد توقيعه من لدن رئيس الوزراء الروسي، ميخائيل ميشوستي، رغم أن فرنسا كانت الأقرب في واقع الأمر، للحصول على عقد انجاز هذا المشروع، غير أنها اختارت نهج التماطل بسبب مخاوف من غضب النظام العسكري الجزائري.

ذات الأمر يسري أيضا، على مجال البنيات التحتية، فبعد أن تمكنت فرنسا من الظفر بصفقة انجاز خط “البراق” الرابط بين طنجة و الدار البيضاء، مرورا بالقنيطرة والرباط، يبدو أن انجاز خط القطار الفائق السرعة الجديد الرابط بين الدار البيضاء وأكادير، سيؤول الى بكين، التي ترتبط مع المغرب بشراكة اقتصادية نموذجية.

بغض النظر عما ستكشف عنه الأيام المقبلة بخصوص العلاقات المغربية الفرنسية، من المؤكد أن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، وأن منطق “الابتزاز” و “الضغط” بالأساليب الملتوية، لم يعد مجديا في العلاقات الدولية القائمة على شركات “رابح-رابح”، والواقعية والمصالح المشتركة، وهي الدروس التي لم تفهمها فرنسا على بساطتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى