أخبار الدار بلوسأخبار دولية

تحرير السائقين المغاربة من يد تنظيم داعش الإرهابي إنتصار إستخباراتي مغربي يعيد رسم معادلات الأمن في الساحل

تحرير السائقين المغاربة من يد تنظيم داعش الإرهابي إنتصار إستخباراتي مغربي يعيد رسم معادلات الأمن في الساحل

شكل بلاغ حكومة جمهورية مالي بشأن تحرير أربعة سائقين مغاربة رسالة أمنية إستراتيجية ذات أبعاد متعددة تتجاوز البعد الإنساني المباشر للعملية. هذه العملية النوعية من حيث توقيتها وطبيعة الجهات المتدخلة، تؤشر إلى تطور نوعي في مستوى التعاون الإستخباراتي بين المغرب ومالي، في سياق إقليمي مطبوع بتنامي التهديدات الإرهابية وتآكل المنظومات الأمنية التقليدية في دول الساحل. إن الإعلان الرسمي عن تورط فرع “داعش” في عملية الإختطاف يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الجماعات الإرهابية باتت تعتمد بشكل متزايد على عمليات الإختطاف العابرة للحدود لأغراض التمويل والتفاوض وخلق وسائل للضغط السياسي، الأمر الذي يستوجب إعادة تقييم المعايير الأمنية المرتبطة بالتنقل التجاري والمدني داخل منطقة الساحل.

إن أي قراءة إستراتيجية لهذا البلاغ،لا محالة ستكشف لنا عن حجم التغلغل الإستخباراتي المغربي في العمق الساحلي، وقدرة الأجهزة الأمنية المغربية على الإشتغال الهادئ والفعال في مناطق عالية الخطورة، وهي قدرة تعزز موقع المغرب كشريك أمني موثوق به على المستويين الإقليمي والدولي، وتكرس تجربته الإستخباراتية كنموذج ناجع في محاربة الإرهاب العابر للحدود. كما يفهم من الصياغة الرسمية للبلاغ أن الدولة المالية حريصة على الظهور كطرف سيادي فاعل في المشهد الأمني الإقليمي، رغم الأزمات الداخلية والإنتقادات الدولية، وهو ما يندرج في سياق سعي باماكو إلى إعادة تثبيت شرعيتها الإقليمية في مواجهة تنامي حضور مرتزقة قوات فاكنر وتراجع الثقة في المنظومة الغربية.

إن هذه العملية ليست فقط دليلا على نجاح تقني إستخباراتي، بل تحمل في طياتها رسائل سياسية دقيقة، فإختيار الإعلان عنها بشكل رسمي ومن طرف حكومة مالي دون أن تسبقه تسريبات أو تحركات إعلامية، يعبر عن رغبة في ضبط الإيقاع الدبلوماسي والترويج لصورة التنسيق الهادئ وغير التصادمي بين الدول الإفريقية. كما أن التنويه الضمني بالأجهزة المغربية يعكس إدراكا متزايدا في منطقة الساحل لدور المغرب كفاعل إستراتيجي في محاربة الإرهاب، لا من خلال التدخل العسكري، بل عبر الدعم الاستخباراتي واللوجستي والتكويني.
وبشكل دقيق، يبرز هذا الحدث كنموذج مصغر عن ملامح الحرب الإستخباراتية الجديدة في الساحل الإفريقي، حيث لم يعد الصراع مع الجماعات المسلحة يدار فقط ببنادق M16 الأمريكية أو Heckler Koch HK41 الألمانية…
بل بالشبكات والمعلومة الدقيقة، والتنسيق المتعدد الجنسيات. وهو ما يعيد إلى الواجهة ضرورة تبني مقاربات أمنية أكثر نجاعة، تعيد الإعتبار لبنية الدولة، وتربط الأمن بالتنمية، وتخرج الحرب على الإرهاب من منطق الملاحقة إلى منطق الإستباق والتحصين المؤسساتي.

ختاما، إن نجاح هذه العملية يظل محطة مؤشرة على إمكانيات إعادة هندسة الأمن الجماعي في الساحل، إذا ما وجدت الإرادة السياسية والتعاون العابر للحدود، وهو ما لا يمكن فصله عن رؤية المغرب في الربط بين الأمن والاستقرار والعدالة الاجتماعية، في سياق إفريقي متأزم، تتداخل فيه الجريمة بالإرهاب.

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
خبير في نزاع الصحراء المغربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى