أخبار الدار بلوس

قرار المحكمة الدستورية بخصوص مشروع قانون المسطرة المدنية : تمرين دستوري يعيد بعض التوازن للسلط

قرار المحكمة الدستورية بخصوص مشروع قانون المسطرة المدنية : تمرين دستوري يعيد بعض التوازن للسلط

خلف قرار المحكمة الدستورية الصادر بتاريخ 4 غشت 2025، تحت رقم 255/25، والمنشور يوم 6 غشت، والذي كان استجابة لإحالة من رئيس مجلس النواب، لمشروع قانون المسطرة المدنية رقم 23.02، الذي تقدمت به الحكومة وعرضته على السلطة التشريعية قصد المناقشة والمصادقة، تطبيقًا لمقتضيات الفصل 132 من الدستور المغربي، موجة من ردود الأفعال والتفاعلات المتباينة، بين من اعتبره انتصا ًرا للرأي العام والحقوقيين الذين طالما انتقدوا هذا المشروع، وبين من

صنفه تمرينًا دستور ًيا وديمقراط ًيا بار ًزا في المسار التشريعي المغربي.

وقد أوصت المحكمة الدستورية بضرورة حذف أو تعديل كل المواد التي لا تحترم روح الدستور ونصه، قبل المضي
في اعتماد المشروع. كما طال قرار المحكمة مجموعة من المواد التي رأت أنها تخالف الدستور، إما صراحة أو بطريقة ضمنية، خصو ًصا تلك التي أعطت النيابة العامة صلاحية تقديم طلبات بطلان المقررات القضائية دون ضوابط واضحة، في م ٍّس واضح بالأمن القضائي ومبدأ استقرار الأحكام، حسب ما أوردته المحكمة. إضافة إلى إسقاط المادة 84، التي كانت تبيح

التسليم القضائي بنا ًء على الظن أو التصريح فقط، وهو ما يتعارض مع مبدأ الشرعية وتوفير الأدلة القطعية.

وقد درس قرار المحكمة موادًا منحت وزير العدل صلاحيات تؤثر على عمل القضاء، وتخرق مبدأ استقلاليته،
والفصل بين السلطتين التنفيذية والقضائية (المادتين 408 و410)، إضافة إلى المادة 90، التي اعتبرتها المحكمة تهديدًا لضمانات المحاكمة العادلة، لكونها لم توفر ضمانات كافية لحقوق الدفاع عند عقد الجلسات عن بُعد.

وقد أسقطت المحكمة المادتين 624و628، اللتين منحتا وزارة العدل صلاحيات تسيير النظام المعلوماتي القضائي، وهو ما يخالف توزيع الاختصاصات بين الحكومة والسلطة القضائية.

ولم تقتصر قراءة المحكمة الدستورية لمشروع قانون المسطرة المدنية المحال عليها على الجانب الموضوعي فقط، من خلال المضامين المخالفة لمبادئ الحقوق والحريات الأساسية، والتي تهدد مبدأ فصل السلط الذي تبناه الدستور المغربي، بل همت كذلك الإشارة إلى المخالفات الشكلية أي ًضا.

أما على الجانب السياسي، فقد اعتبر الكثير أن هذه الإحالة، في هذا التوقيت بالذات، ومن طرف رئيس مجلس
النواب، الذي هو من مكونات الأغلبية الحكومية التي تتبنى مشروع القانون، تحمل عدة دلالات، من قبيل تصفية حسابات سياسية بطرق قانونية ودستورية. كما طرحت تساؤلات حول عدم إحالة رئيس المجلس لمشاريع قوانين أخرى سابقة، رغم

الصلاحيات التي يمنحها الدستور “للرجل الثالث” في هرم السلطة في الدولة المغربية.

كما أن هذه الواقعة ترسل عدة إشارات حقوقية وقانونية، على اعتبارها تمرينًا دستور ًيا مه ًما، يُخرج المحكمة
الدستورية من النظرة النمطية التي يتم التعامل بها معها، خصو ًصا من طرف العامة، ويمنحها آليات أخرى للانخراط في الحياة السياسية والتشريعية. كما توضح أنه، رغم الأغلبية العددية التي تتوفر عليها الحكومة، فإن المبادئ والضوابط القانونية

والدستورية تبقى فوق كل اعتبار، وهي المعيار الوحيد لتمرير القوانين.

ويبقى هذا القرار محطة دستورية في المسطرة التشريعية، ولا يعني إسقاط مشروع القانون، وإنما يُعتبر تحد ًيا
للحكومة ككل، ووزارة العدل بالخصوص، من أجل إعادة صياغة المشروع، وتدارك النواقص التي تمت الإشارة إليها، واحترام المبادئ الدستورية التي لمحت إليها المحكمة، وعلى رأسها ضمانات المحاكمة العادلة، واستقلال القضاء، وفصل

ياسين المصلوحي كاتب مقالات رأي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى