باريس في مأزق بعد اعتقال عميل استخباراتي فرنسي في مالي
باريس في مأزق بعد اعتقال عميل استخباراتي فرنسي في مالي

الدار/ سارة الوكيلي
أوقفت السلطات المالية، يوم 14 غشت 2025، مواطناً فرنسياً يُدعى “يان ف.” يُعتقد أنه يعمل لحساب المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي (DGSE). الاعتقال جرى في خضم حملة تطهير واسعة أطلقها الرئيس الانتقالي المالي، العقيد أسيمي غويتا، والتي استهدفت عدداً من كبار الضباط داخل الجيش المالي.
الحادثة، التي كشفت عنها مجلة Jeune Afrique يوم 20 غشت، سلطت الضوء على واحدة من أكثر الملفات دقة في العلاقات بين مالي وفرنسا، خصوصاً أن باريس سارعت إلى التمسك بما أسمته “الحصانة الدبلوماسية” لمواطنها، مطالبة بإطلاق سراحه فوراً. غير أن هذا الطرح لم يلق تجاوباً سريعاً من السلطات المالية، التي تبدو عازمة على التعامل مع الملف كقضية تمس أمنها القومي مباشرة.
خلفية التوتر بين باماكو وباريس
اعتقال العميل الفرنسي يأتي بعد أقل من عام على اتهامات مشابهة وُجهت لفرنسا من طرف النيجر، تتعلق بمحاولات تآمر وتدخل في الشؤون الداخلية. هذه التطورات تعزز الانطباع السائد في غرب إفريقيا بأن النفوذ الفرنسي لم يعد مرحباً به كما في السابق، خصوصاً مع تنامي التعاون بين الدول الساحلية وروسيا في المجالات الأمنية والعسكرية.
أبعاد سياسية وأمنية
التحقيقات الجارية في باماكو، والتي طالت أكثر من عشرة ضباط سامين بالجيش المالي، توحي بأن القيادة الانتقالية تسعى إلى قطع الطريق أمام أي اختراق خارجي قد يهدد استقرار النظام. وجود عنصر فرنسي في قلب هذه القضية يضفي عليها بعداً دولياً، ويضع باريس في موقف حرج أمام الرأي العام الإفريقي والدولي على حد سواء.
في المقابل، ترى باريس أن التمسك بالحصانة الدبلوماسية هو السبيل الوحيد لتفادي أزمة سياسية مفتوحة مع باماكو، غير أن مؤشرات الواقع تفيد بأن مالي مصممة على فرض سيادتها وعدم التهاون مع أي تدخل خارجي، حتى لو جاء من طرف دولة مثل فرنسا التي كانت تعتبر نفسها لسنوات شريكاً أساسياً في المنطقة.
قراءة تحليلية
هذه القضية ليست مجرد حادثة معزولة، بل تعكس عمق الشرخ الحاصل في العلاقات بين مالي وفرنسا، وتكشف عن التحول الجذري في أولويات باماكو التي أصبحت أكثر ميلاً لبناء تحالفات جديدة بعيداً عن النفوذ التقليدي لباريس. اعتقال “يان ف.”، سواء انتهى بتسوية دبلوماسية أو بمحاكمة علنية، يمثل اختباراً لمدى قدرة فرنسا على الحفاظ على ما تبقى من حضورها في الساحل الإفريقي.
في ظل هذا السياق، يطرح السؤال الأهم: هل نحن أمام بداية مرحلة جديدة تنتهي معها عقود من الهيمنة الفرنسية في غرب إفريقيا، أم أن باريس ستنجح، عبر أدواتها الدبلوماسية والاستخباراتية، في إعادة ترميم نفوذها المتآكل؟