في وادي السيليكون، عمالقة التكنولوجيا يتأرجحون

في قلب وادي السيليكون، معقل الابتكار بالولايات المتحدة، يهز “زلزال” عالم التكنولوجيا. فمنذ أزيد من سنة، تتوالى عمليات التسريح الجماعي وتتشابه داخل أبنية عمالقة التكنولوجيا، لدرجة أن الملاحظين يتحدثون عن “عدوى اجتماعية” و”وباء” ينخر قطاعا كان يعتبر، إلى الآن، ذا قيمة مضافة عالية.
موجة تسريح الموظفين، التي وصفها البعض ب”حمام الدم”، والتي اشتدت حدتها مطلع العام الحالي، كانت انطلقت في سنة 2022. تم إلغاء عشرات الآلاف من الوظائف، لا سيما في “ميتا”، الشركة الأم ل”فيسبوك”، و”تويتر”، و “سيلزفورس”.
هذا العام، حذت شركات متعددة الجنسيات أخرى، مثل “أمازون” و”غوغل” و”آي بي إم” و”مايكروسوفت” حذوها، مما رفع إجمالي عدد الأشخاص الذين تم تسريحهم إلى 220 ألف.
أسالت العملية الكثير من الحبر، وأثارت العديد من التساؤلات بين المحللين والمراقبين، وكذلك في صفوف ضحايا عمليات التسريح، الذين اعتقدوا أنهم في منأى عن “الهشاشة الاجتماعية” داخل الشركات المرموقة.
يتساءل برايان ميرشانت، مراسل التكنولوجيا في صحيفة “لوس أنجلوس تايمز”، “لماذا أعلنت العديد من الشركات الأكثر ربحية في جيلنا، والتي لا يزال معظمها ذا مردودية كبيرة، عن عمليات تسريح جماعي للعمال، تباعا؟”.
في خضم البحث عن عناصر إجابة، يعتبر هذا الصحافي أنه يتعين تجاوز التفسير المتكرر الذي يقدمه بعض المحللين، ومفاده أن عمليات التسريح تمليها المحن الاقتصادية، وتدخل ضمن إجراءات التقشف التي اتخذتها الشركات بصعوبة عقب موجة التوظيف الواسعة أثناء جائحة كوفيد-19.
كانت هذه الحجة التي قدمها رئيس “غوغل”، سوندار بيتشاي، لتبرير إلغاء 12 ألف وظيفة، إذ كتب في رسالة بريد إلكتروني إلى الموظفين “لقد قمنا بالتوظيف لواقع اقتصادي مختلف عن الذي نواجهه اليوم”.
بهذا الخصوص، تبرز هيذر لونغ، الصحافية في “واشنطن بوست”، أن المديرين التنفيذيين تعرضوا للتضليل بالنتائج الرائعة التي تحققت خلال الجائحة.
كانوا يعتقدون، حسب الصحيفة الأمريكية، أن الاقتصاد قد تغير للأبد وأنه يتعين عليهم كسب الحرب على المواهب في وقت كان من الصعب العثور على موظفين”، مسجلة أن صناعة التكنولوجيا تخضع للتعديل وإعادة الهيكلة ولا تعد، بأي حال من الأحوال، مهددة بالانهيار.
في السياق ذاته، أوضح الرئيس التنفيذي لشركة “مايكروسوفت”، ساتيا ناديلا، في مذكرة للموظفين، أن تسريح العمال تمليه الظرفية الاقتصادية الراهنة، مشيرا إلى أن الركود أحكم قبضته على بعض أجزاء العالم، فيما ينتظر البعض الآخر دورهم.
برأي ميرشانت، تعد حجة الركود واهية، لاسيما وأن الاقتصاد الأمريكي قد أحدث للتو مئات الآلاف من الوظائف في الشهر الماضي.
“بالتأكيد التضخم مؤلم، لكن الاقتصاد يتمتع بصح جيدة”، كما يؤكد الصحافي، الذي يرى أن عمليات التسريح هذه تعد مظهرا من مظاهر “جشع” قطاع التكنولوجيا.
وبالنسبة لمالكوم هاريس، مؤلف كتاب “بالو ألتو: تاريخ كاليفورنيا؛ الرأسمالية والعالم”، فإن “التحكم في تكاليف التوظيف من خلال عمليات التسريح الدوري للعمال يعد جزءا من دورة حياة شركات وادي السيليكون. ويعتبر، في الوقت نفسه، أن عمليات التسريح الأخيرة لا تدخل ضمن استراتيجية متوسطة أو طويلة الأمد، بل تعد محاولة للإبقاء على الشعور بعدم الاستقرار في صفوف العمال.
الدار : و م ع