أخبار دولية

خطباء الثورة الجزائرية ونكران المعروف المغربي

الدار : تحليل

بمناسبة الذكرى 61 لعيد استقلال الجزائر تتواصل الاحتفالات وتتناسل الخطابات والشعارات، للحديث عن ماضي البطولات وعديد التضحيات التي قدمها الشعب الجزائري من أجل نيل استقلاله وإعلان ميلاد دولته في يوليوز 1962. وتُظهر هذه الفعاليات التي أطلقت منذ أيام استعدادا لإحياء يوم 5 يوليوز الجاري جانبا من تاريخ المقاومة الجزائرية وثورة التحرير التي أدت إلى رحيل المستعمر الفرنسي، لكنها تكشف عن جانب آخر لا ينطوي على أيّ وجه من أوجه البطولة والشهامة. إنه نكران المعروف والتنكر للجميل الذي عبّر عنه المسؤولون الجزائريون على أعلى المستويات وهم يتطرقون إلى الثورة الجزائرية.

مناط هذا الحديث عن ناكر المعروف الجزائري هو ما عبّر عنه وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج أحمد عطاف وزميله في الحكومة وزير المجاهدين العيد ربيقة، ولنبدأ بما ذكره هذا الأخير خلال خطابه حيث أكد أن “الجزائر اليوم لن تنسى فضل من وقفوا إلى جانب قضيتها العادلة”، مشيرا إلى أن ذكرى الاستقلال “مناسبة تعبر من خلالها الجزائر مرة أخرى عن وفائها لأصدقاء ثورتها واعترافها بجميل صنيعهم”. ومن جهته لم يكن وزير الخارجية أقل إنكارا للمعروف من زميله وزير المجاهدين حين قال: “إن ثورة التحرير المظفرة ارتقت إلى مصاف “ملحمة إنسانية، وهذا بفضل مساندة الأجانب لكفاح الشعب الجزائري ضد الإستعمار الفرنسي”. وأضاف في كلمة له خلال افتتاح أشغال الجمعية العامة التأسيسية للجمعية الدولية لأصدقاء الثورة الجزائرية “أن أحرار العالم، على اختلاف أصولهم وعقائدهم وتوجهاتهم السياسية. هبوا لدعم الشعب الجزائري ومساندة ثورته ليقينهم أنها ثورة حق ضد الباطل. ثورة تحمل في ثناياها مبادئ العدالة والحرية والقيم الإنسانية”.

قد يتساءل البعض أين نكران المعروف في هذه التصريحات ما دام الوزيران الجزائريان قد اعترفا بفضل الأصدقاء والأجانب؟ والجواب طبعا لا يعرفه إلا المغاربة. فالوزيران المذكوران لم يوردا أبدا في حديثهما أي إشارة إلى فضل المغرب والمغاربة على الثورة الجزائرية، على الرغم من أنهما مستعدان لشكر فيتنام وسورينام وجزر الفوكلاند على دعم الثورة الجزائرية، بدلا من الاعتراف بما قدمته بلادنا قيادة وشعبا وأحزابا للجزائر والجزائريين في الفترة التي كانت فيها ترزح تحت نير الاستعمار الفرنسي. لقد كان مصدر السلاح والذخيرة التي استخدمها الثوار الجزائريون في مواجهة المستعمر الفرنسي هو المغرب، حيث كانت الحدود الشرقية للمملكة معبرا ينبض بالحركة لنقل الأسلحة والثوار والتموين والأموال.

لم يشر المسؤولان الجزائريان إلى ما يعرفانه جيدا عن القواعد الخلفية التي كانت للثورة الجزائرية في المغرب، عندما كانت بلادنا تحتضن المقاومين من أجل التدريب والتأطير بمشاركة من الأحزاب السياسية المغربية ودعم من المؤسسة الملكية. بل أنكر الوزيران الجزائريان خطاب السلطان محمد الخامس الشهير أمام هيئة الأمم المتحدة الذي دعا فيه إلى تمتيع الجزائر باستقلالها وحريتها، واستنكر أمام العالم بأسره استمرار الاستعمار الفرنسي. وهو بالمناسبة خطاب موثق ما يزال متداولا على كافة المنصات الرقمية. كما أن عطاف وربيقة تجاهلا تماما الرسوم الضريبية التي كان المواطن المغربي البسيط يدفعها كلما اشترى علبة سجائر أو تذكرة فيلم سينمائي وتوجه مباشرة لدعم الثورة الجزائرية.

والأدهى والأمر من هذا وذاك أن الوزيرين المذكورين يعلمان جيدا أن ما قدمه المغرب للثورة الجزائرية لم يقدمه أيّ بلد آخر في العالم، ولم يكن يستطيع أيّ بلد آخر أصلا أن يقدمه، لأن المغرب هو البلد الوحيد الذي كانت تجمعه بالجزائر حدود ممتدة وصلات اجتماعية وإنسانية، وكان صدى الأحداث الدائرة في الجزائر يُسمع في الرباط والدار البيضاء ومراكش، وكلما خرجت مظاهرة في الجزائر العاصمة للتنديد بالاستعمار الفرنسي خرجت مظاهرات موازية في مختلف مدن المملكة المغربية. فهل يجهل نظام الكابرانات ووزراءه ومسؤولوه هذه الوقائع التاريخية المثبتة؟ طبعا، لا يجهلونها، لكنهم يتقنون إنكارها ليس فقط تكبرا وأنانية، ولكن باعتبار ذلك جزء من هذا الحقد التاريخي الذي يكنّونه لبلد لا ذنب له إلا ما أكرهته عليه الجغرافيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى