أخبار دولية

تداريب الذخيرة الحية.. هل هي موجهة للخارج أم الداخل الجزائري؟

لا يكاد عبد المجيد تبون يتحرك لترؤس اجتماع أو توجيه تعليمات أَو مقابلة ضيف إلا وتحرك قبله الأسير السابق السعيد شنقريحة ليتصدّر الواجهة في اجتماع أو تمرين أو توجيه رسالة أو خطاب. فالمسار السياسي في الجزائر أصبح اليوم أكثر وضوحا وعلانية في تبويء الجيش المكانة الحقيقية التي يحتلها في هرم السلطة. من النادر أن تسمع عن أنشطة قادة الجيوش في جل دول العالم بما في ذلك الدول غير الديمقراطية بالنظر إلى أن القائد أو الرئيس أو الملك هو الذي يحتل في الغالب هذا الموقع مستمدا شرعيته إما من صناديق الاقتراع أو من علاقته التاريخية أو الدينية أو الروحية بشعبه.

إلا في بلد واحد هو الجزائر. لا يمكن أبدا مزاحمة الجنرالات على مجال صلاحياتهم التي انتزعوها عنوة من بين أيدي الشعب، ومن باقي الأحزاب السياسية والهيئات التي تعاقبت على تأطير الشعب الجزائري. في أي بلد يحظى نشاط رئيس الأركان بكل الأهمية التي تحظى بها أنشطة السعيد شنقريحة؟ لا يمكن أن ترى ذلك إلا في الجزائر. هل تسمعون بقيادة عسكرية تشرف على المناورات والتمارين العسكرية كل أسبوعين أو ثلاث؟ حتى الجيش الأمريكي لا يجري كل هذه المناورات وتلك التمارين بهذا الإيقاع الكثيف. يوم أمس الأحد مرة أخرى تحتفي وسائل الإعلام والصحف الجزائرية بإشراف السعيد شنقريحة على تنفيذ تمرين تكتيكي ليلي بالذخيرة الحية.

وبسبب كثافة هذه التمارين التي لا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد على الأقل في بيانات وزارة الدفاع الجزائري، يخيل للمرء أن الأمر يتعلق بتمارين مفرقعات وألعاب نارية لا أقل ولا أكثر. بل قد يكون مجرد تداريب عادية تجريها كل جيوش العالم بصفة يومية لكن الاحتفاء بها في الجزائر يأخذ أبعادا أكبر من اللازم وأكثر من المعتاد. وقد تحوّل مصطلح “الذخيرة الحية” بالمناسبة إلى ما يشبه كلمة السر التي تتبادلها الطغمة العسكرية الحاكمة مع الهيئات والمؤسسات السياسية في الجزائر. بعبارة أخرى، من المعروف أن المناورات والتداريب التي تجريها الجيوش تنطوي على رسائل صريحة للأعداء والخصوم في الخارج، الذين تنتابهم ربما بعض الأطماع فيتم تحذيرهم وردعهم نفسيا.

لكن من الواضح أن الإسراف في الإعلان عن تمارين الذخيرة الحية في الجزائر ينطوي على رسائل داخلية بالأساس إلى كل أطراف اللعبة السياسية وأجنحة الدولة. هي رسائل إلى جهاز المخابرات الذي يعد عنصرا فاعلا في تدبير الشأن الداخلي إلى جانب الجيش، ورسائل إلى حزب جبهة التحرير الوطني وقياداته، ورسائل إلى باقي الأحزاب السياسية الأخرى وعلى رأسها أحزاب التيار الإسلامي، ورسائل إلى الحركات المدنية والعلمانية وعلى رأسها الحركات القبائلية الناشطة من أجل انتزاع حقوق الأقلية المضطهدة في الجزائر. ولعلّ ما يؤكد ذلك هو أن الإعلان عن تداريب الذخيرة الحية الجديدة جاء مباشرة بعد الاستقبال الذي حظي به فرحات مهني رئيس حكومة القبائل المؤقتة في الولايات المتحدة الأمريكية من طرف أحد رموز المحافظين الجدد السيناتور إليوت أبرامز.

إنه إذاً جيش لا يتدرب ضد أعدائه من الخارج فقط، بل بالأساس ضد “أعداء الداخل”، أو من يعتبرهم كذلك. فهو يعلن باستمرار جاهزيته وسطوته وقدرته على إلغاء كل أشكال الحياة السياسية المدنية، ولو في بعدها الرمزي والشكلي. كما أنه يحرص باستمرار من خلال هذه التمارين المتكررة على فرض الهيبة في نفوس الجزائريين، الذين يجتاحهم وعي جارف وغير مسبوق بأن مآسي بلادهم آتية من العسكر لا من غيرهم، وأن استمرار هيمنتهم على الحياة السياسية وعلى تدبير الشأن العام للبلاد، بدء من توفير التموين وحتى رسم السياسة الخارجية للبلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى