أخبار دولية

ماكرون.. عندما يصبح للرّعونة عراب يخرّب العلاقات الدبلوماسية

الدار-خاص

من المؤكد أن مسؤولية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن تردي العلاقات المغربية الفرنسية موثقة بالأحداث والوقائع. ولم يسبق لهذه العلاقات أن مرت بمرحلة جفاء وقطيعة غير معلنة كالتي تمر بها اليوم. لم يكن للرئيس الفرنسي الشاب ما يكفي من الحكمة كي يتريث قبل أن يقدم على سلوكيات يمكن أن تؤثر على هذه العلاقات وتدخل البلدين في حالة من الانسداد الدبلوماسي غير المسبوق. وعلى الرغم من أن العلاقات الرسمية ما تزال قائمة وأن التمثيل الدبلوماسي ما يزال يقوم بأدواره، إلا أنه لا يمكن لأي مغربي أو فرنسي أن ينكر اليوم أن هناك شيئا ما قد انكسر في هذه العلاقات.

وبين الفينة والأخرى تتكشف الوقائع وتتسرب المعطيات التي كانت سببا في هذا الانسداد لتظهر أن التسرع والرعونة التي تميز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يمكن أن تسيء أو تهدم أي علاقات دبلوماسية في العالم مهما كانت قوية ومتماسكة. وهذه الرعونة قد ظهرت بالمناسبة في محطات كثيرة تورط خلالها الرئيس الفرنسي في مواقف محرجة في قمم عالمية أو في جولات دبلوماسية كما هو الحال في إفريقيا أو في روسيا أو غيرها. ولعلّ هذا الجمود الذي تعيشه العلاقات بين المغرب وفرنسا يعود أيضا إلى هذه الرعونة والتهور الماكروني المعتاد.

فقد كشف الكاتب والروائي المغربي الطاهر بنجلون نقلا عن مصادر موثوقة أن تردي العلاقات بين المغرب وفرنسا يعود إلى سلوك أرعن صدر عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال حديث دار بينه وبين الملك محمد السادس في أعقاب الضجة التي أثارها التحقيق الصحافي الذي عرف بملف التجسس عبر تطبيق بيغاسوس. حينها تكالبت بعض المنظمات الدولية كأمنيستي وفوربيدن ستوريز إضافة إلى صحف فرنسية على المغرب ووجهت له تهمة استخدام هذا التطبيق للتجسس على الرئيس الفرنسي وبعض المسؤولين الفرنسيين. وبينما كانت السلطات المغربية حاسمة وواضحة حينها بإنكار التهمة واتخاذ الإجراءات القضائية المناسبة ضد مروجيها، لم يمتلك الرئيس الفرنسي الصبر الكافي الذي يفرضه عليه منصب الرئيس حتى يتروى ويتحقق مما يروج.

وبينما أكد الملك محمد السادس لماكرون في حوار دار بينهما أن هذا الاتهام لا يليق أبدا بجلالته ولا يمكن أن يصدر عنه، لم يتردد الرئيس الفرنسي في النطق بكلمات رعناء والرد بأسلوب غير مهذب تماما على تأكيدات الملك محمد السادس. ويروي الطاهر بنجلون في تصريحات تلفزيونية للقناة الإسرائيلية I24 أن الكلام الذي صدر عن ماكرون كان في غاية الرعونة، وهو الأمر الذي أثار غضب الملك محمد السادس. وكان هذا السلوك بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، لأن الرئيس الفرنسي سيلقي المزيد من الزيت على النار، عندما ألغى منصبا بروتوكوليا داخل قصر الإيليزيه يلعب صاحبه دورا مهما في التواصل بين المغرب وفرنسا. وبدا حينها أن ماكرون يريد أن يذهب إلى أبعد مدى في تأزيم العلاقات بين البلدين ودفعها ربما نحو القطيعة.

لقد كان ماكرون مدفوعا أيضا برغبته الدفينة في استغلال فرية التجسس من أجل التقرب أكثر من السلطات الجزائرية على حساب المغرب. وكان يعتقد أن توجيه الاتهام للمغرب وحده كافٍ لإرضاء الكابرانات ومن ثمة انتزاع المزيد من الامتيازات الفرنسية من المصالح الجزائرية. وقد نجح في لحظة من اللحظات في ذلك عندما وجد لدى عسكر الجزائر المزيد من الترحيب والاحتفاء وهو يزور الجزائر، على الرغم من كل الاحتقار والإهانات التي وجهها لهم. ولكن بعد مرور عامين تقريبا على مؤامرة بيغاسوس، ما الذي تبقى منها؟ لقد اتضح أن الأمر كان مجرد فقاعة إعلامية سرعان ما انفجرت أمام الحقائق والقرائن المثبتة. ولم يستطع أي جهاز قضائي حتى اليوم أن يثبت صحة كل الادعاءات التي حفلت بها مقالات وتقارير وروبورتاجات فوربيدن ستوريز، بل ما تزال قضية التشهير التي تواجهها هذه المنظمة إلى جانب أمنيستي أنترناسيونال قيد المتابعة القضائية.

وعلى الرغم من أنه بدأ ولايته الرئاسية الثانية إلا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ما يزال تحت تأثير رعونته الدبلوماسية. لم يستطع بعد أن يراكم ما يكفي من الخبرة والحكمة والتؤدة التي تلزم شخصية في قمة هرم المسؤولية السياسية، التي تتطلب منه قدرا عاليا من الرزانة والتحفظ واللغة الدبلوماسية الرفيعة. ستنتهي ولايته الرئاسية الأخيرة وسيرحل عن كرسي الرئاسة وسيدرك متأخرا أنه كان أسوأ رئيس فرنسي في تاريخ العلاقات بين البلدين، وأنه استحق بامتياز لقب عرّاب الرعونة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى