أخبار الدار بلوس

الطموح الإفريقي للمغرب يذكي غيرة الأوربيين ويفضح منطق الابتزاز

الدار/ افتتاحية

يبدو أن الجهات التي تقف وراء تجييش البرلمانيين الأوربيين ضد المغرب بمبررات الملفات الحقوقية والتدخل في سيادة المغرب القضائية لا تمتلك الشجاعة الكافية من أجل الكشف عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه الحملة المغرضة. إنها تمارس من جديد هوايتها المعهودة في ممارسة الابتزاز ضد الحكومات والدول التي أضحت تبحث عن موطئ قدم بين الكبار وفرضت نفسها في سوق التطور الاقتصادي والتنموي. البرلمان الأوربي الذي صادق على القرار الخاص بالمغرب ليس سوى أداة ضغط رخيصة توجهها بعض الحكومات الأوربية الكبرى من أجل الحد من الإشعاع المغربي المتصاعد خصوصا في القارة الإفريقية.

هذا هي حقيقة ما يجري في الخفاء. المقاولات والشركات الفرنسية والألمانية والإسبانية التي كانت تجتاح إفريقيا في شتّى المجالات، بدء من القطاع البنكي مرورا بالاتصالات وصولا إلى البناء والتجهيز، لم تعد تقبل أبدا هذا المستوى العالي من المنافسة الذي تفرضه المقاولات المغربية الفاعلة في إفريقيا، والتي تقدم اليوم خدمات ذات جودة عالية وبأسعار تنافسية. التحليلات السطحية التي ينشغل بها إعلام الكابرانات لا تدرك أن معركة كسر العظام الدائرة اليوم بين المغرب وبين بعض الجماعات الضاغطة التابعة للشركات الأوربية أكبر بكثير من مستوى القراءات التافهة التي يقدمونها للسياق التاريخي والسياسي الذي نعيشه في القارة السمراء. والسلطات المغربية سبق لها أن لمّحت في عدة مناسبات إلى أن هناك قوى أوربية لا تريد أن ترى المغرب في مكانة الندّ.

هذه الحرب التي فتحها البرلمان الأوربي قد تطول وقد تتكرر، وربما انفتحت على قضايا وملفات أخرى أكثر حساسية بالنسبة لبلادنا، لأن الخطابات الوردية التي يقدمها الأوربيون في واجهة المؤسسات والإعلام عن الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان سرعان ما تتحوّل إلى حملات مأجورة وموظّفة عندما يتعلق الأمر بمصالح الشركات الأوربية التي لا تزال تنظر إلى منطقتنا ككعكة ينبغي تقاسمها بين دول الاتحاد الأوربي ولا تسمح بدخول أي فاعل جديد من خارج هذه الدائرة الجغرافية الضيقة. والمغرب كبلد إفريقي من حقه أن يساهم بشكل مباشر في تنمية هذه القارة المستضعفة التي تستنزفها الرأسمالية الغربية منذ قرون، وترفض حتى اليوم أن تترك لها المجال من أجل إقلاع محلي بموارد وسواعد أبنائها.

لقد نجح المغرب في تقديم نموذج عملي لاستراتيجية التعاون جنوب-جنوب التي يمكن للقارة الإفريقية أن تتجاوز من خلالها الكثير من العراقيل التنموية بعيدا عن الاستغلال الغربي الفاحش لمواردها وطاقاتها ومؤهلاتها الكبيرة. وتظهر في دول غرب إفريقيا اليوم الكثير من نماذج هذا التعاون في التكوين والصناعة ومشاريع البنية التحتية وتدبير الأزمات الأمنية والبيئية وغيرها. من لا يرصد أهمية الحضور المغربي في إفريقيا اليوم فهو جاهل أو متجاهل، أو ربما تمزّقه الغيرة والحسد من المكانة التي أصبحت لبلادنا لدى الجيران الأفارقة، المعتزّين بالمناسبة بالتعامل مع مقاولات مغربية إفريقية بعيدا عن المنطق الاستعماري والاستغلالي الذي ألفوه مع مقاولات الأوربيين.

لقد حان الوقت لكي تدرك الحكومات الأوربية التي تحرك الحملة المغرضة في البرلمان الأوربي أن مثل هذه المناورات أصبحت مكشوفة للجميع، وأن من حق المغرب كدولة مستقلة ذات سيادة أن تتقوى باقتصادها وإنتاجها واستثماراتها الخاصة، وتستفيد أيضا من الفرص الاقتصادية الهائلة التي تتيحها الأسواق الإفريقية. بل إن المغرب بحكم انتمائه لهذه القارة هو الأولى من كل هذه الشركات الأوربية المتغوّلة المتخوّفة من المنافسة بكل أصنافها. ولن يخضع المغرب أبدا لهذا النوع من الابتزاز الذي أكل عليه الدهر وشرب، فلا قرارات البرلمان الأوربي ولا مذكراته ولا توصياته يمكن أن تحد من الطموح المشروع لبلادنا في مجال التنمية والتوسّع ومد الجسور مع الجوار الإفريقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى