ميلاد مغرب جديد بروح الكفاءة والإستحقاق .
ميلاد مغرب جديد بروح الكفاءة والإستحقاق .

إن إختزال أزمة المغرب في حكومة بعينها أو حصرها في حدود ما يطفو على سطح الإعلام تحت تسمية “مرحلة أخنوش”، لا يعدو أن يكون قراءة سطحية لمشهد أعمق بكثير. فالأزمة التي نعيشها اليوم ليست وليدة لحظة آنية، بل هي نتاج تراكمات بنيوية إمتدت لعقود. غير أن هذه الصورة القاتمة لا تحجب في المقابل الأوراش الإصلاحية الكبرى التي لا يمكن إنكارها، سواء في مجال البنيات التحتية، أو في التحول الطاقي، أو في الاستعدادات الكبرى لمونديال 2030، أو في الإنفتاح المتصاعد على إفريقيا والعالم. وهكذا يعيش المغرب جدلية مزدوجة، جدليةأزمة وتحد من جهة، وتحول وفرص حقيقية من جهة أخرى.
إن قلب زاوية النظر من منطق التشاؤم إلى أفق التفاؤل ليس تعبير فني خطابي ، بل ضرورة سياسية وفكرية، ذلك أن التاريخ يثبت أن الأمم التي نجحت في تجاوز أزماتها إنما جعلت من المحن مفاتيح للنهضة والبناء. ومعيار النجاح لا يقاس بغياب الأخطاء، بل بقدرة الدولة والمجتمع على استخلاص العبر وتصحيح المسار. وفي هذا السياق، يملك المغرب من المقومات الإستراتيجية ما يجعله قادرا على تحويل أزمته إلى فرصة تاريخية، بإستقرار مؤسساتي راسخ، وإشعاع دبلوماسي متنام، وتنوع اقتصادي و موقع جغرافي محوري، و رأسمال بشري شاب إضافة إلى شبكة دعم إقليمي ودولي متجدد التخالفات.
إن الخطاب السياسي المسؤول اليوم ، لا ينطلق من إنكار الأعطاب، بل من تحويلها إلى مادة لحوار وطني صريح حول مسار النموذج التنموي الجديد ، وتعميق المشاركة السياسية، وتحصين دولة الحق بالقانون ، وربط المسؤولية بالمحاسبة. وهو ما جاء به خطاب العرش الأخير ليؤكده ويعض عليه بالنواجد، حين أشار إلى ضرورة إعادة توزيع الأدوار وتجديد النخب، في أفق إعادة ترتيب البيت الداخلي وإطلاق زمن البناء الشامل.
ولعل الصورة الرمزية التي جسدها ولي العهد الأمير مولاي الحسن وهو يشرف على تدشين ملعب مولاي عبد الله بعد إعادة بنائه بسواعد مغربية، رفقة مدير شاب من عمق المغرب المنسي، تحمل دلالات عميقة، إنها رسالة عن مغرب جديد يتشكل بروح الكفاءة والإستحقاق، مغرب يفتح أبوابه أمام شبابه، ويعيد الإعتبار لمبدأ التفوق الشخصي والعلم والإجتهاد بدل المحاباة والقرابة. لحظة مفصلية في سردية المغرب المعاصر، حيث تلتقي الملكية المتجددة مع جيل جديد من الكفاءات الوطنية التي تترجم على أرض الواقع إرادة التغيير والبناء.
ختاما، إن المغرب اليوم يقف على مفترق طرق تاريخي، فإما أن يستسلم لمنطق الإنحدار البطيء، وإما أن يحول أزمته إلى فرصة لولادة وطن جديد بعقد إجتماعي جامع يؤسس لنهضة شاملة. ومن يراهن على سقوط المغرب، في الداخل أو الخارج، يخطئ قراءة الواقع لأن ما يتشكل اليوم هو وطن ينهض من أزماته أقوى، متشبثا بروح الإستحقاق ومتجها بثقة نحو أفق البناء والنهضة الشاملة.
ذ/الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.